Connect with us

آراء

مفاجأة

Published

on

 

1918

 

 

 

مفاجأة

عبدالله المغلوث

قرّر توم بارجر بعد ست سنوات عملاً عامل مناجم ثم محاضراً في التعدين في جامعة نورث داكوتا أن ينتقل للعمل مهندساً في شركة تعدين؛ لعله يجد النجاح الذي ينشده ويطرد الضجر الذي يملؤه. لكن آماله تبخرت. كانت الوظيفة الجديدة المحطة الأسوأ في حياته المهنية. انقض على أمريكا الكساد العظيم وأفلست الشركة التي كان يعمل فيها. قام بمراسلة الدكتور جي. أو. نوملاند، الذي تعرّف عليه في أثناء عمله في الجامعة؛ كي يساعده على الحصول على وظيفة في شركة ستاندرد أويل كومباني أوف كاليفورنيا، إذ كانت لديها وظائف متوافرة وقتئذ. كان يعرف توم أن ستاندرد شركة زيت وليست شركة تعدين. لكن تشكّلت لديه قناعة أنه لا مستقبل للتعدين في وطنه وقتئذ، ولا مناص من التضحية بشهاداته وخبراته السابقة. ردّ عليه الدكتور نوملاند ببرقية، قال فيها: ”هل تستطيع أن تأتي إلى سان فرانسيسكو عاجلاً لإجراء مقابلة وظيفية؟”. أجابه مباشرةً: ”نعم، سأكون موجوداً الأسبوع المقبل في مقر شركتكم”. استمرت المقابلة نحو ساعة حصل خلالها على العرض الوظيفي من الدكتور نوملاند. اقترح عليه أن يحصل على دورات تأهيلية مكثفة في الجيولوجيا ليسد الثغرات المعرفية التي يفتقدها إذا وافق على الانضمام إلى الشركة.. طلب منه نوملاند أن يتجوّل في الشركة. وبعد أقل من ساعة ناداه إلى مكتبه مجدّداً وقال له: ”سنبعثك إلى السعودية للعمل مسّاحاً هناك.. إذا عملت معنا ستحصل على 300 دولار شهرياً وإجازة مدفوعة لثلاثة أشهر كل عامين”. قبل أن يكمل نوملاند قاطعه توم قائلاً: ”أين تقع السعودية؟” أجابه: ”بعيداً.. بعيداً. إنها صحراء ممتدة. أنا رابع أمريكي يذهب إليها. لديها مساحة كبيرة وتوجد مؤشرات إيجابية عن تدفق الزيت بكميات تجارية هناك في المستقبل. فقد تم اكتشاف كميات زيت في البحرين، الدولة الصغيرة المجاورة لها”.

عارضه بعض زملائه. رأوا أنه يدفن ماضيه ويعرّض حياته ومستقبله للخطر مما جعله يتردّد قليلاً. لكن خطيبته كاثرين شجّعته على الموافقة. شعرت أن هذه الوظيفة ستفتح له أبواباً. قالت له إذا وافقت على هذه الوظيفة سأوافق على الزواج منك فوراً. تزوج توم وبعد أسابيع يمّم وجهه شطر السعودية.

وصل توم إلى السعودية، وتحديداً في كانون الأول (ديسمبر) عام 1937 برفقة مهندسين وجيولوجيين، مثل ماكس ستاينكي، وجيري هاريس، ورني بيرغ وغيرهم.

زواج توم من كاثرين دفعه لتوثيق كل رحلاته التنقيبية بالكلمة والصورة. كان كلما شاهد شيئاً أو جرّب شيئاً كتب لها ليحس أنها معه.

كان يكتب لها ماذا يفعل وماذا يأكل. وكيف يتخاطب بالإشارة مع خميس بن رميثان، الدليل الاستكشافي، الذي يرافقهم ويرشدهم في رحلتهم الممضة. أخبرها أن خميس علّمه القليل من العربية ووعده أن يعلمه المزيد.

كتب لها رسالة قال فيها: ”إننا نسير في الربع الخالي، هذه الصحراء الشاسعة، ونتعثر. تحرقنا الشمس. تراودنا شكوك في الوصول. لكننا ندرك أنه إذا وصلنا سنكتشف شيئاً ثميناً”.

كل رسالة تصلها منه تشعر أنها الأخيرة. لكن فاجأها توم لاحقاً بأنباء سعيدة تتناول اكتشاف كميات واعدة من الزيت.

توالت الأنباء السعيدة. أصبح توم من المهندسين الأوائل الذين أسهموا في اكتشاف الزيت في السعودية. رأى توم أن مهمته لم تنته بعد. شعر أنه جزءٌ من مشروع كبير. جلب زوجته إلى السعودية وتدرج في شركة أرامكو حتى وصل إلى رئيس مجلس إدارة الشركة. تعلّم اللغة العربية وعمل على نقل ملكية الشركة للحكومة السعودية تدريجياً من خلال وظائفه التنفيذية المختلفة. قضى فيها نحو 32 عاماً منحها وقته وعمره ومنحته المال والمجد.

أصدر توم كتاباً باللغة الإنجليزية عام 1986 بعنوان ”أوت إن ذا بلو”، بمعنى: مفاجأة غير متوقعة، جمع فيه بمساعدة ابنه رسائله، التي كتبها إلى زوجته في السعودية والصور، التي التقطها هناك، موثقاً رحلته الملهمة والتاريخية.

إن تجربة توم بارجر ملهمة جداً. فعندما ضحّى بدراسته السابقة وشهادته كسب وظيفة منحته ما لم يكن في حسبانه. مَن لا يتكبّد وعثاء المغامرة لن يحقق شيئاً يُذكر. سيعيد إنتاج مَن سبقه. لكن مَن يضحي ويمضي سيجد ما لم يتوقعه. لم يتوقع بارجر يوماً أن يكون رئيس مجلس إدارة شركة زيت ضخمة وكبيرة، وأنه عندما سيتقاعد سيترأس مجالس إدارات بنوك وشركات مالية كبيرة بسبب ثروته وخبرته.

إن الذين عارضوا توم على التحاقه بشركة الزيت وذهابه إلى السعودية هم الذين جاؤوا إليه لاحقا يتوسلون للحصول على فرصة وظيفية.

كلما قرأت أكثر في سيرة الرواد اكتشفت أن الفرق بينهم وبين غيرهم أنهم نهضوا بعد تعثرهم. ارتفعوا بعد أن سقطوا. غامروا ولم يتقاعسوا. إن الانتصارات لا تأتي إليك، وإنما تذهب أنت إليها.

Continue Reading
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آراء

سمو محافظ الأحساء يستقبل مدير جوازات المنطقة الشرقية

Published

on

استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، بمكتب سموّه بمقر المحافظة ، اليوم ” الأحد ” ، مدير جوازات المنطقة الشرقية العميد ضويحي بن وبدان السهلي، وذلك بمناسبة تعيينه مديرًا لجوازات المنطقة، يرافقه عدد من قيادات الجوازات.

وهنأ سموّه العميد السهلي بمناسبة تعيينه، متمنيًا له التوفيق في مهام عمله، منوهاً بما يحظى به قطاع الجوازات من دعم واهتمام من القيادة الرشيدة -حفظها الله-، وبالجهود والخدمات النوعية التي تقدمها جوازات المنطقة والمحافظة، مؤكدًا أهمية الاستمرار في تقديم خدمات متميزة للمواطنين والمقيمين.

واطلع سموّه خلال اللقاء على أبرز المبادرات والمشاريع التطويرية التي تنفذها الجوازات لتحسين جودة الخدمات وتعزيز التعاون مع الجهات ذات العلاقة.

من جانبه، أعرب العميد السهلي عن شكره لسمو محافظ الأحساء على متابعته واهتمامه المستمر بأعمال الجوازات وتوجيهاته السديدة.

Continue Reading

آراء

برعاية سمو محافظ الأحساءوكيل المحافظة يشهد حفل تخريج الدفعة السابعة عشر من مدارس جواثا الأهلية

Published

on

برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، شهد سعادة وكيل محافظة الأحساء الأستاذ معاذ بن إبراهيم الجعفري، مساء اليوم “الثلاثاء” ، حفل تخريج الدفعة السابعة عشر من طلاب مدارس جواثا الأهلية، وذلك بحضور عدد من المسؤولين ، وأولياء الأمور، وجمع من المدعوين.

وأكد سعادة وكيل المحافظة الأستاذ معاذ بن إبراهيم الجعفري أن هذا الحدث يعكس اهتمام ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، بقطاع التعليم في المحافظة، وحرص سموّه على دعم المؤسسات التعليمية الرائدة ، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تستهدف تطوير قطاع التعليم، وتمكين الطلاب من مهارات المستقبل، وإعدادهم للإسهام بفاعلية في مسيرة الوطن التنموية، متمنيًا لجميع الخريجين مستقبلاً زاهرًا ومليئًا بالنجاح والتميز.

وقد استُهِل الحفل بمسيرة “الفخر” التي عبّرت عن بهجة الخريجين واعتزازهم بثمرة جهدهم في المرحلة الثانوية ، وشاهد سعادته والحضور عرضًا مرئيًا استعرض منجزات مدارس جواثا للعام 2025، والتي شملت النجاحات المحلية والدولية التي حققها الطلاب في مختلف المحافل والمسابقات العالمية.

من جانبه، ألقى مدير مدارس جواثا الأهلية الأستاذ محمد بن عبدالرحمن السليم كلمة نيابة عن إدارة المدارس، أعرب فيها عن بالغ شكره وتقديره لسمو محافظ الأحساء على رعايته الكريمة، ولسعادة وكيل المحافظة على حضوره وتشريفه الحفل، مؤكدًا أن هذا التميز ثمرة جهد جماعي متواصل من الكوادر التعليمية والإدارية، ومشيرًا إلى التزام المدارس بالمضي قدمًا نحو تطوير بيئة تعليمية حديثة تواكب تطلعات رؤية المملكة 2030.

كما ألقى أحد الخريجين كلمة عبّر فيها نيابة عن زملائه عن مشاعر الفخر والانتماء، موجهًا الشكر لإدارة المدارس والمعلمين على جهودهم المخلصة طوال سنوات الدراسة ، واختُتم الحفل بأداء العرضة السعودية، التي أضفت طابعًا وطنيًا مميزًا على المناسبة، وسط أجواء من البهجة والاعتزاز.

Continue Reading

آراء

أرامكو… حين تتجاوز العلامة التجارية حدود الإعلان إلى أعماق الذاكرة

Published

on

بقلم: أحمد بن عبدالعزيز المغلوث
‏3aaahmed@

ليست كل العلامات التجارية تُولد لتُنسى بعد أول إعلان. بعض العلامات، بذكائها العاطفي وصدق تواصلها، تختار أن تسكن الذاكرة لا السوق فقط؛ تتسلل إلى لهجتنا، طفولتنا، وأعيادنا، وتصبح جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية

وهكذا كانت أرامكو لمن نشأ في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية… لم تكن مجرد شركة نفط، بل كانت تجربة وجدانية متكاملة، تنسج خيوطها في نبض الأيام
ومن بين تلك التفاصيل البسيطة التي كبرت في وجداننا، برزت “كيكة أرامكو” كرمزٍ صغير لحكايةٍ أكبر.
لم تكن كيكة أرامكو منتجًا رسميًا من الشركة العملاقة، بل كانت حضورًا وجدانيًا ارتبط باسم أرامكو مجازًا، حين كانت الشركة تحتفي بالنجاحات الصغيرة في المدارس، وتدعم لحظات الفرح في المجتمع

في سنوات شبابي الأولى، حين تنقلت بين عدد من المدارس الثانوية، بقيت ثانوية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بالدمام محفورة بخصوصية استثنائية في الذاكرة؛ لم تكن المدرسة متميزة فقط بتصميمها البسيط والأنيق، بل كانت تحمل روحًا مختلفة؛ روح أرامكو.
هذه المدرسة، التي بُنيت بدعم من الشركة، جسّدت نموذجًا لكيفية امتداد تأثير العلامة التجارية إلى البيئة المجتمعية والتعليمية، بصورة تتجاوز المعايير المادية إلى القيم الوجدانية.
في كل مناسبة نجاح أو تفوق دراسي، كانت كيكة أرامكو حاضرة.
هذه الكيكة لم تكن مجرد حلوى؛ بل كانت رمزًا للفرح المشترك، ورسالة ضمنية تقول: “نحن معكم في أفراحكم الصغيرة وأعيادكم الكبيرة كما في مشاريعنا الكبرى”.
كانت تُوزع بتلقائية جميلة، تزرع في نفوسنا شعور الأمان والانتماء، قبل أن ندرك حتى ماهية التسويق أو إدارة العلامات التجارية.

ووفقاً لنظريات علم النفس التسويقي، الأفراد لا يتذكرون الإعلانات بحد ذاتها، بل يتذكرون المشاعر التي أثارتها تلك العلامات في وجدانهم.

أرامكو، بفطنتها الاتصالية، خلقت لدى الأجيال شعورًا دائمًا بالاهتمام والرعاية، ليس عبر وعود دعائية مجردة، بل عبر أفعال ملموسة شكلت سياق الحياة اليومية: مدارس، ملاعب، منح دراسية، وأبسطها… قطعة كيكة في يد طفل متفوق.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن الحواس البشرية تختزن الذكريات بأكثر مما تفعل اللغة أو الصور البصرية
تلك الكيكة الإسفنجية، المغطاة بطبقة من الكراميل وجوز الهند، حملت في مذاقها وملمسها ورائحتها رسالة وجدانية مختزنة في أعماق الذاكرة: “أنتم جزء منّا، ونحن جزء منكم.”

ولعل الدرس الذي تقدمه تجربة أرامكو يتجاوز دروس التسويق الكلاسيكي؛ فقد صنعت الشركة ولاءً وجدانيًا قبل أن تصنع ولاءً وظيفيًا. فلم يكن ارتباط الناس بها مدفوعًا بشروط التوظيف أو الامتيازات، بل بنمط حياة ومجتمع متكامل، غُرس فيهم بصدق واستمر معهم مع مرور الزمن
حين نقول “أرامكو”، نحن لا نصف شركة أو مؤسسة اقتصادية فحسب، بل نسترجع شعورًا دافئًا ممزوجًا بالفرح والانتصار والسرور

نسترجع لحظات انتماء لمكان لم نكن جميعنا موظفين فيه، لكننا كنا جميعًا أبناءً لظله
تلك الظلال التي كبرت معنا في مدارسنا وملاعبنا، وحفرت اسمها في قلوبنا قبل أن تُكتب على لوحات الإعلانات
ختاماً، تتجلى عبقرية العلامات العظيمة في قدرتها على أن تكون جزءًا أصيلاً من نسيج الذكريات، لا مجرد جزء من حركة السوق.

Continue Reading

الاكثر تداولا

عدد الزوار: 539666

Copyright © 2017 almowatenalyoum.com