Connect with us

آراء

قميص بلون الليل

Published

on

 

1918

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عبدالله المغلوث

 

ولد الفرنسي إيف ونشأ في مدينة وهران الجزائرية على ضفاف واجهتها البحرية بين قصائد الملحون، التي ينشدها أبناؤها بمتعة. شعر بأنه صدفة تتقاذفها الأمواج بهدوء على الساحل. تحمله على ظهرها بحنان لتنقله من ضفة إلى ضفة يستكشف عبرها عوالم جديدة وثقافات مختلفة.

 

تعلق إيف بأصدقائه الجزائرين الصغار، الذي كانوا يقضون جل يومهم في الشارع. ينتقلون من حي إلى آخر دون عقاب كالذي يتلقاه من أمه، التي كانت تحذره من تجاوز باب المنزل. تأثر الفرنسي الصغير برفاقه العرب رغم الأوقات القصيرة، التي كان يقضيها معهم.

سحرته طريقتهم في معايدة أمهاتهم. كانوا يقضون الأسابيع الأخيرة قبل العيد في إعداد هدية ترسم السعادة على وجوه من أنجبوهم. بعضهم كان يحفظ آيات من القرآن ليتلوها على أمه صباح العيد، والبعض الآخر كان يرتجل القصائد الطويلة أمامهن. كان الوهرانيون الصغار الذين يقيمون بجوار منزله، يتسابقون على إسعاد أمهاتهم في صباح العيد بطرق واشكال مبتكره. أعجبته العباءة التي صممها صديقه عبد القادر لأمه. كان يسبح فيها اسمها على شكل سمكة مبتسمة تقفز عاليا. أحب إيف الفكرة، ولا سيما أنه يتقاسم مع صديقه موهبة الرسم. رأى أن يقوم بتجربة مماثلة. صنع إيف لأمه قميصا بلون الليل، يسطع فيه أول حروف اسم أمه كنجمة، بمساعدة عبد القادر. قدمه لها كهدية. استقبلت أمه هذا القميص بتقدير بالغ. طلبت منه منذ ذلك اليوم أن يختار ملابسها وشقيقتيه. أحست أنه يملك ذائقة أخاذة. ساعدته لاحقا على الانتقال إلى فرنسا للالتحاق بمعهد دي لا كوتور للأزياء في باريس. هناك تعرف على مايكل دي برونهوف، محرر الطبعة الفرنسية لمجلة “فوج”، الذي قدمة لكريستيان ديور، صاحب دار الأزياء الشهيرة. فتح له ديور أبواب داره والمجد. صمم إيف في عام 1959 فستان فرح بهلوي، زوجة الشاه الإيراني، رضا بهلوي، عندما كانت طالبة هندسة معمارية في باريس.

استقل لاحقا عن ديور، وافتتح دارا باسمه عام 1962، كانت امتدادا لنجاحاته السابقة. أصبح اسم إيف سان لوران، علامة تجارية شهيرة هي الأخرى حظيت بشعبية متزايدة حتى يومنا هذا. وظل إيف سان لوران يرسل في كل عيد فطر إلى صديقه عبد القادر، الذي ألهمه وساعده، مجموعة فاخرة من منتجاته امتنانا لما قام به تجاهه. يعتقد إيف أنه لولا مشاهدته صديقه وهو يقوم بتصميم عباءة أمه قبيل العيد عندما كان صغيرا، لربما صار في أفضل الأحوال رساما. لكن تلك العباءة جعلته يفتح عينيه على عالم ساحر نقله من حياة إلى أخرى.

نملك كعرب ماضيا جميلا كان مصدرا للإلهام. لكننا تخلينا عن هذه العفوية في العيد وجميع مناسباتنا. استبدلناها بالاهتمام بالماديات والانجراف وراء القشور. علمنا الأطفال ارتداء أغلى العلامات في العيد، ولم نعلمهم رسم ابتسامة على وجوه أمهاتهم. هل فكرنا أن نستعيد قيمنا الجميلة؟ لمَ لا نستلهم من أطفال وهران أسلوبهم الفريد في الاحتفاء بأمهاتهم؛ لنحوله إلى عيد حقيقي يفخر فيه الآباء بأبنائهم، ويلهو الأطفال في ثناياه وهم يلبسون ملابس الزهو. جميل أن نغدق على أطفالنا بالهدايا في هذا الموسم، بيد أن الأجمل أن نهديهم قيمة العطاء التي تبذر ثقافة الإنتاج في دواخلهم. تذكروا أن هذه الهدية التي سنمحنها إياهم لن تنتهي صلاحيتها، بل سترافقهم طيلة حياتهم وتطرز مستقبلهم بالسعادة، ولنا في قميص أم إيف سان لوران عبرة. فلقد قلبت هدية صغيرة قدمها لأمه حياته رأسا على عقب. قدمت له فرصا لم يكن يحلم بها. فتحت له أبواب لم يكن يتخيل أن تشرع أمامه.

فلنبادر بإهداء أمهاتنا في هذا العيد القريب، ونعلم أطفالنا أن يحولوا هذه المناسبة من استهلاكية صرفة لإنتاجية أيضا، ليفوزوا بأجر وحياة أجمل.

 

Continue Reading
Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آراء

حج / مشعر منى.. شاهد على سُنن الأنبياء وذاكرة الحج عبر العصور

Published

on

منى 07 ذو الحجة 1446 هـ الموافق 03 يونيو 2025 م واس
يُعدُّ مشعر منى أحد أبرز المشاعر المقدسة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمناسك الحج، وتكتسب مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، لما تحمله من دلالات تاريخية وروحية، جعلت منها شاهدًا حيًا على تتابع الأزمان وامتداد الشعائر منذ عهد إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وحتى يومنا هذا.
ويقع مشعر منى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة، ويبعد عن المسجد الحرام نحو (7) كلم، وهو وادٍ مبارك تحيط به الجبال من كل جانب، وتنبض أوديته بالإيمان في أيام الحج، حيث يقضي فيه الحجاج ليالي التشريق، ويؤدون فيه شعائر عظيمة كـرمي الجمرات، والنحر، والحلق أو التقصير.
ويحمل مشعر منى هوية مكانية متميزة، تكتنزها طبيعته الجغرافية وتُجسدها الشعائر التي يؤديها ضيوف الرحمن، حيث الخيام البيضاء التي تمتد على جنباته أصبحت علامة فارقة لمنظومة الحج الحديثة، وقد صُممت وفق أعلى معايير السلامة والراحة، لتستوعب ملايين الحجاج في بيئة آمنة ومهيأة بكفاءة.
وكانت خيام منى في العقود السابقة تُنصب من القماش والخشب أو اللباد، وتفتقر لمقومات السلامة والراحة، وتُفكك بعد نهاية الحج، فيما يضُم اليوم مشعر منى أكثر من (100) ألف خيمة ثابتة مصنوعة من الألياف الزجاجية المقاومة للحرارة والاشتعال، والمكيّفة بالكامل، وتخضع لنظام ترقيم دقيق يسهل الوصول إليها ويعزز السلامة والتنظيم، وتغطي مساحة الخيام ما يقارب (2.5) مليون متر مربع، في مشهد عمراني موحد يخدم منظومة متكاملة من الإيواء والخدمات الصحية والأمنية واللوجستية، مما يجعل من مشعر منى مدينة متكاملة مؤقتة تنبض بالحياة أيام الحج.
ويبرز في المشعر جسر الجمرات، الذي يبلغ طوله (950) مترًا وعرضه (80) مترًا، على عدة طوابق، بطاقة استيعابية تتجاوز (300) ألف حاج في الساعة الواحدة، ما يُمكن من تفويج الحشود بكفاءة عالية ويُقلل من التزاحم والاختناق، خاصة في أوقات الذروة أثناء رمي الجمرات الثلاث (الصغرى والوسطى والكبرى).
وتتوفر في الجسر وسائل متعددة لتنظيم حركة الحشود، تتضمن مداخل ومخارج متعددة من جميع الاتجاهات، وسلالم كهربائية وممرات مخصصة للطوارئ، إضافة إلى منظومة متقدمة من كاميرات المراقبة والذكاء الاصطناعي؛ لرصد الكثافات والتحكم في التدفقات البشرية لحظة بلحظة.
ويضم جسر الجمرات كذلك مرافق خدمية متكاملة، تشمل نقاطًا للإسعاف والدفاع المدني، وأماكن للراحة، ومظلات لتقليل آثار الحرارة، إلى جانب نظام تبريد متطور يعتمد على الرذاذ المائي لتحسين جودة الهواء في محيط الجسر، إذ يوفّر انسيابية لحركة الحشود ويُجسّد جهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، ويُسهّل عليهم أداء شعيرة رمي الجمرات، التي ترتبط بموقف سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في التصدي للشيطان.
وحظي مسجد الخيف في مشعر منى بعناية واهتمام كبيرين من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، انطلاقًا من مكانته الدينية والتاريخية، حيث يُعدُّ أحد المواضع التي صلى فيها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، مما يجعله من أبرز المعالم الإسلامية في المشاعر المقدسة، وتبلغ مساحته (23,500م)، ويتسع لأكثر من (27.000) مصلٍ، ويحتوي المسجد على (4) مآذن، و(9) أبواب رئيسة، و(6) أبواب طوارئ.
ويضم المسجد (1,440) دورة مياه للرجال و(300) للنساء، و(95) شاشة توعية، و(4) مكتبات رقمية، و(40) كاميرا مراقبة، و(166) طفاية حريق، و(373) وحدة تكييف سبليت، و(14) وحدة تهوية مركزية، كما تم تزويده بـ (1400) سجادة مفروشة حديثًا.
ويشهد تاريخ مشعر منى على عناية متواصلة منذ بزوغ شمس الإسلام، حيث كان الخلفاء الراشدون ومن تبعهم من ولاة المسلمين يعتنون به ويُقيمون فيه المناسك، وظل المشعر حاضرًا في وجدان الأمة الإسلامية قرونًا متعاقبة، إلى أن جاءت رعاية المملكة العربية السعودية، فكان التحول الكبير في البنية التحتية والخدمات المقدمة، ضمن رؤية شاملة؛ تهدف إلى الارتقاء بجودة تجربة الحاج، وتحقيق أقصى درجات الراحة والأمن.
وتولي حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله-، المشاعر المقدسة عناية خاصة ضمن منظومة الحج والعمرة، عبر مشاريع تطويرية مستمرة تتضمن التوسع في الخدمات، وتحسين البنية التحتية، والتقنيات الذكية، ومشاريع إدارة الحشود، مما يسهم في تجسيد رؤية المملكة 2030 في تمكين ضيوف الرحمن من أداء نسكهم بيسر وطمأنينة.
وتتجلّى في مشعر منى معاني التضحية، وتُسطّر فيه ملاحم الطاعة، ويبقى شامخًا في ذاكرة الأمة الإسلامية، حاضرًا في كل موسم حج، رمزًا للسكينة، وميدانًا للتقوى، وموقعًا تتعانق فيه الأرض بالسماء في أعظم أيام الله، حيث على أرضه يُمضي الحجاج أيامًا من أعظم أيام حياتهم، يلهجون فيها بالذكر والدعاء، ويستشعرون عظمة النسك، في جو إيماني يملؤه السكون والطمأنينة.

Continue Reading

آراء

اقتصادي / تحوّل صناعي في المملكة تقوده رؤية 2030 وتمكّنه بنية تحتية صناعية متقدمة

Published

on

الرياض 25 ذو القعدة 1446 هـ الموافق 23 مايو 2025 م واس
تشهد المملكة تحولًا تاريخيًّا غير مسبوق، إذ تُعيد رسم ملامح اقتصادها ببوصلة جديدة تقود اتجاهاتها رؤية المملكة 2030، فبينما كان النفط يشكل لعقود طويلة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، تتجه المملكة اليوم نحو تنويع مصادر دخلها، وتوفير القيمة المضافة في مختلف القطاعات، وفي مقدمتها القطاع الصناعي.
ولتحقيق تلك المستهدفات تعمل المملكة على تأسيس قاعدة صناعية متينة تنافس عالميًّا، تقوم على توطين الصناعات الإستراتيجية المتقدمة، وتمكين التقنية والمعرفة والابتكار، بالاعتماد على بنية تحتية ذكية ومتطوّرة.
وتنفذ هذا التحول الصناعي في المملكة منظومة صناعية متكاملة وشاملة تقودها وزارة الصناعة والثروة المعدنية، يُبنى على مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للصناعة التي تعد المحرك الأساسي للنهضة الصناعية السعودية، التي ظهرت ملامحها جلية في المدن الصناعية والتجمعات المتخصصة المتقدمة في مختلف مناطق المملكة، حيث تركز تلك المدن والتجمعات على قطاعات حيوية كصناعة الطيران، والسيارات، والصناعات الغذائية، والصناعات التعدينية، والبتروكيماويات.
وبلغ عدد المدن الصناعية (40) مدينة، كما وصل عدد المصانع إلى (12) ألف مصنع بنهاية عام 2024، مع سعي المملكة إلى الوصول إلى (36) ألف مصنع بحلول عام 2035.
ولا تقتصر مستهدفات هذه المدن والتجمعات على التصنيع والإنتاج، بل تعد نواة لمراكز اقتصادية قائمة على الربط الذكي بين مواقع التصنيع والأسواق المحلية والعالمية عبر شبكة من الموانئ الحديثة، وخطوط السكك الحديدية، والطرق البرية المتطورة.
وإدراكًا منها لأهمية التنويع الاقتصادي وتطوير القطاعي الصناعي، ضخَّت المملكة استثمارات نوعية لتطوير بنية تحتية متكاملة قوية، عبر بناء مدن صناعية وتجمعات متخصصة، تستهدف رفع القيمة المضافة في الصناعة الوطنية، وتوطين تقنيات التصنيع المتقدمة.
وفي هذا السياق، تبرز مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان قطبين رئيسين في قطاع البتروكيماويات العالمي، فيما أصبحت مدينة رأس الخير على سواحل الخليج مركزًا محوريًّا للصناعات التعدينية، وتحتضن مجمعًا لمعادن الألومنيوم، يعد أحد أكبر وأشمل المجمعات الصناعية عالميًّا، بالإضافة إلى إنتاج الفوسفات والمعادن الأخرى.
وفي الجنوب الغربي من المملكة، تتقدم مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية بوصفها مركزًا للصناعات الثقيلة والأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة، إلى جانب الصناعات الغذائية والأنشطة الزراعية.
وفي مدينة الملك عبدالله الاقتصادية “KAEC”، يبرز نموذج صناعي فريد يدمج بين التصنيع واللوجستيات، حيث تضم أحد أكثر الموانئ تطورًا في العالم، مما يعزز مكانتها مركزًا للتجارة العالمية.
وفي قلب المملكة، تأتي مدينة سدير للصناعة والأعمال باعتبارها منطقة صناعية ولوجستية متخصصة، تستقطب استثمارات مهمة في الصناعات الدوائية والغذائية والتصنيع الخفيف، وتسهم في تطوير سلسلة الإمداد الوطني.
ودعمًا لتنافسية القطاع الصناعي عالميًّا، وتوطين الصناعات الواعدة؛ أطلقت المملكة عددًا من التجمعات الصناعية المتخصصة التي تمثل محاور إستراتيجية لتطوير صناعات المستقبل.
ودشنت المملكة في جدة، وتحديدًا في واحة “مدن”، “أيرو بارك الأولى”، التي تُعد أول تجمع متخصص لصناعة وصيانة الطائرات، وتمتد على مساحة (1.2) مليون متر مربع، وتُقام بالتعاون بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية، والهيئة العامة للطيران المدني، بهدف توطين التقنيات المتقدمة وتوفير بيئة استثمارية محفزة لصناعة الطيران، عبر منشآت تصنيع حديثة ومراكز بحث وتطوير متقدمة تركز على مكونات الطائرات، وأنظمة الدفاع والتقنيات الفضائية، معززًا بموقع إستراتيجي قريب من مطار الملك عبدالعزيز الدولي وميناء جدة الإسلامي.
ويأتي هذا التوجه في إطار رؤية أشمل تستهدف تحويل المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي للنقل الجوي، بقدرة استيعابية تصل إلى (30) مليون مسافر وسعة شحن سنوية تبلغ مليونا طن.
وفي مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، يأتي مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات ليوفر بيئة ومتكاملة ومحفزة لتصنيع السيارات التقليدية والكهربائية، عبر توطين التقنيات واستقطاب رواد الصناعة العالميين لإنتاج (300) ألف سيارة سنويًّا في مجمع صناعي واحد.
ويهدف هذا التجمع إلى جعل المملكة لاعبًا رئيسًا في قطاع التنقل المستدام، من خلال شراكات إستراتيجية مع كبرى الشركات العالمية لتوطين الإنتاج ونقل التقنيات، وتطوير سلاسل الإمداد بشكل متكامل.
وأطلقت المملكة عدة تجمعات لصناعة الغذاء تعزز الأمن الغذائي، شملت أكبر تجمع من نوعه في العالم لتصنيع الأغذية بمدينة جدة، يقام على مساحة (11) مليون متر مربع، ويضم (75) مصنعًا بمساحات تصل إلى (107) آلاف متر مربع، ومستودعات ضخمة بمساحة (134) ألف متر مربع.
وجرى تطوير هذا التجمع باستثمارات تصل إلى (20) مليار ريال، بهدف دعم الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات، وخفض التكاليف التشغيلية بنسبة تتراوح بين (5و12%)، بفضل تكامل الخدمات والبنية التحتية المتطورة، ويستهدف التجمع استقطاب أكثر من (800 ) مصنع بحلول عام 2035 في (10) أنشطة نوعية ضمن قطاع الصناعات الغذائية، بما يعزز مكانة المملكة في خارطة تصنيع وتصدير الأغذية عالميًّا.
وفي شهر أبريل الماضي أطلقت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية “مدن” مجمعًا صناعيًّا للألبان في المدينة الصناعية بالخرج، الذي يمثل خطوة مهمة في تعزيز الأمن الغذائي للمملكة، ويغطي المجمع مساحة مليون متر مربع؛ يشمل مصانع للألبان والأعلاف، ومرافق للتعبئة والتغليف، ووحدات للتخزين، ويوفر المجمع الجديد بيئة إنتاج صناعي مستدامة ومتكاملة تضم مصانع جاهزة ومستودعات للتبريد.
ويشكل إنتاج محافظة الخرج من الألبان (70%) من إنتاج المملكة، ويُلبي الطلب في الأسواق المحلية والإقليمية.
وفي مجال البنية التحتية اللوجستية تلعب الموانئ والسكك الحديدية دورًا محوريًّا في دعم هذه التحولات الصناعية، حيث يواصل ميناء جدة الإسلامي أداءه بصفته أهم منفذ للصادرات والواردات الغذائية، بينما يعزز ميناء الملك عبدالله موقعه في خدمة الصناعات عالية القيمة، ويمثل ميناء رأس الخير منفذًا مهمًا لصادرات المعادن، في حين يخدم ميناء جازان المدينة الصناعية ويسهل الصادرات نحو القارة الأفريقية.
إلى جانب ذلك، يمثل خط الشمال – الجنوب أحد أهم مشروعات السكك الحديدية في المملكة، حيث يربط مناطق التعدين بالمدن الصناعية والموانئ، فيما يجري الإعداد لمشروع الجسر البري الذي يُعد من أكثر المشروعات طموحًا، إذ سيربط البحر الأحمر بالخليج العربي، ويعزز من دور المملكة ممرًا رئيسيًا للتجارة الإقليمية والدولية.
ولا يُمثل التحول الصناعي في المملكة مجرد إستراتيجية، بل رؤية بدأ تنفيذها على أرض الواقع، من مصانع تتبنى أحدث التقنيات، وتجمعات صناعية متخصصة في الصناعات المتقدمة مثل الطيران والغذاء والسيارات، حيث تعمل المملكة بوتيرة متسارعة على بناء اقتصاد يتكئ على المعرفة والابتكار، يقوم على بنية تحتية متقدمة وخطط نمو متكاملة.
وبفضل منظومة متكاملة – تشمل موانئ عصرية، وشبكة نقل حديثة، وحوافز استثمارية ذكية – تواصل المملكة استقطاب الاستثمارات النوعية المحلية والعالمية، وتعزيز بيئة أعمال تنافسية تسهم في تمكين تلك الاستثمارات، توفر القيمة المضافة منها في القطاع الصناعي.
ومع التقدم المتواصل في تنفيذ مستهدفات رؤية السعودية 2030، تتجه المملكة نحو موقع متقدم على خارطة الصناعة العالمية، لتتحول إلى قوة صناعية رائدة عالميًّا، تُنتج، وتُبدع، وتُصدٍّر، حيث إن ما تشهده المملكة ليست مجرد مرحلة انتقالية لقطاعها الصناعي، بل ثورة صناعية سعودية شاملة، تحكي قصة وطن اختار أن يصنع مستقبله بسواعد أبنائه؛ ليثبت أن الرؤية حين تتحول إلى تنفيذ، يصبح الطموح واقعًا يُبنى عليه الغد.

Continue Reading

آراء

Published

on

الوفاء هل مازال موجود ..؟!

الجزيرة – أحمد المغلوث

يزخر تاريخ الأمم كل الامم وخاصة العالم العري والإسلامي بنماذج رائعة عن قصص وحكايات الوفاء والحب بين الازواج والمعارف وحتى الاصدقاء .. حكايات عندما تطلع عليها تثير في نفسك مشاعر التقدير والاحترام لأصحابها كونهم تميزوا عن غيرهم بهذه الصفة التي باتت نادرة في عالم تسوده بل تطغى عليه الماديات بصورة ممجوجة .

وإذا كان في عصرنا هذا قل فيه الوفاء . فهناك في تاريخنا الإسلامي النموذج الاعظم والأروع  بل يصعد بنا معه الى قمة الوفاء . لنعتبره مدرسة نتعلم منها كل يوم ما يفيدنا في ديننا وحياتنا وتعاملنا مع من حولنا . بل مع الناس جميعا . فلا عجب ولا غرابة .  فالوفاء والتقدير من صفات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم  ويروى :

الاول في صحيح مسلم عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح الشاة

قال : ( أرسلوها إلى أصدقاء خديجة )

الثاني : روت عائشة رضي الله عنها : قالت جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي فقال لها رسول الله : (من أنت ) ؟

قالت : أنا جثامة المزنية .

فقال : بل أنت حسانة المز نية . كيف أنتم. كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟

قالت : بخير . بابي أنت وأمي يا رسول الله .

فلما خرجت  قلت : يا رسول الله , تقبل على العجوز هذا الإقبال ؟

قال : إنها كانت تأتينا من زمن خديجة . وإن حسن العهد من الإيمان .وهكذا نجد الاسلام يحثنا على الوفاء وحسن العهد . فلا عجب أن يزخر تاريخنا بنماذج عديدة من الحكايات  المتوارثة والتي تفنن فيها المحبون المخلصون في التعبير عن وفائهم . ارضاء لقلوبهم العامرة بالحب والوفاء والتقدير لذكرياتهم معهم وأشدهم حيرة في التفنن من يريدون التعبير عن هذا الوفاء لحبيب راحل كما فعل مواطننا المخلص والمعاصر دخيل الله السرحاني )  فوفائه هنا للذكرى وللعشرة وللروح . وهاهي حكاية نابضة بالوفاء والتقدير بطلتها ومن منا لا يعرف فاطمة زوجة الخليفة الخامس عمر بن العزيز رحمه الله .فاطمة هي بنت الخليفة وزوجة الخليفة , وأخت لأربعة خلفاء , حتى قال فيها أحد الشعراء:

بنت الخليفة والخليفة جدها   …. أخت الخلائف  والخليفة زوجها

هذه السيدة خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم الزفاف إليه وهى مثقلة يأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات , ويقال إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ وتغنى بهما الشعراء , وكانا وحدهما يساويان كنزاً , وقد قيل إنه لو بيعت مجوهراتها لأشبعت بثمنها بطون شعب كامل برجاله ونسائه وأطفاله .

( ولكن كان أول قرار اتخذه زوجها أن يدخل في بيت مال المسلمين كل هذه المجوهرات والحلي واللآلئ والدرر )

ولما توفى عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئاً ، جاءها أمين بيت مال المسلمين وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي , وإني اعتبرها أمانة لك , وحفظتها لذلك اليوم , وقد جئت أستأذنك في إحضارها .

فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين ثم قالت : ( وما كنت لأطيعه حياً , واعصيه ميتاً )

فهذا موقف لزوجة يستدل من خلاله على شرف معدنها ورفعة منزلها في وقت كانت بحاجة فيه إلى دريهمات معدودة  لتعيش بها في حياتها بعد وفاة زوجها . ولكن خلق الوفاء منعها من ذلك .

وهذه ” لبنى ” صاحبة ” قيس بن ذريح ” ظلت على عهدها له وبلغت من الوفاء في حبها أنها نذرت نذرا عجيبا بل مدهشا وعملت على تحقيقه وقالت: أنها لا ترى غرابا الا قتلته اذ كان حبيبها ” قيس يتشاءم عندما يشاهد هذا الغراب .؟!

ولا يمكن ان ننسى حكاية تلك الاعرابية الوفية والمخلصة وهي من سكان البادية حيث صادفها ” الاصمعي ” في بعض اسفاره وراعه منها أنها لا تتكلم أبدا فسأل من حولها : اخرساء هي .؟ فقالوا له : لا  . ولكن زوجها كان معجبا بنغمات صوتها . وكان عذبا ..فلما توفى عنها . اطبقت فمها فما تتكلم بعده . وإنما تكتفي بالإشارة حيت تقتضيها الضرورة الى ذلك .؟!

وماذا بعد لاشك ان حياتنا مفعمة بحكايات الوفاء بين المحبين بعضها مستتر . وخفي ولا يعلن عنه  .  لخجل او حياء ما كما اشار الى ذلك جرير .. لكن يبقى الوفاء  صفة محببة ومطلوبة في مختلف المجتمعات .. وهذا نموذج حي من الوفاء لأحدى السيدات الفاضلات في الاحساء والتي تقوم في كل مناسبة عيد او فرح او عزاء  بزيارة اخوالها  وأعمامها في المنطقة التي يقيمون فيها رغم تباعد مساكنهم . وفاءا لوالدتها التي رحلت منذ سنوات . مرددة لأبنائها وبناتها على أهمية الوفاء وصلة الرحم .. بل انها توصيهم خيرا بالتواصل .. وبما ان الشيء بالشيء يذكر تصل  لمئات البيوت في الاحساء وخارج الاحساء ( مراحل التمر ) التي اعتاد البعض ارسالها كل عام خلال موسم الحصاد لبعض معارفهم وأصدقائهم لتستمر هذه العادة ابا عن جد ..في حلقة متصلة من الوفاء المستمر ..

Continue Reading

الاكثر تداولا

عدد الزوار: 742803

Copyright © 2017 almowatenalyoum.com