تم النشر في السبت, 3 أغسطس 2013 , 11:34 مساءً .. في الأقسام : أهم الأخبار , ثقافة وفنون

قصة ( ليلة الدخله ) لرئيس التحرير

ليلة الدخله

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 اللوحه لكاتب القصه

                          ليلة الدخلة

                 قصة / أحمد المغلوث

كان الوقت متأخرا الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل .. عندما بدأت اصوات سقوط حبات البرد على المكيف تتواصل بحده .. ايقضتها هذه الاصوات والتي كان لها صدى واضح بعد ارتطامها بصندوق المكيف الخارجي .. فتحت عينيها .. رفعت يدها من تحت البطانية الفرو ..  تطلعت الى ساعتها فرددت بينها وبين نفسها  :  يالله الوقت متأخر .. والجو بارد .. ما اروع النوم تحت البطانية الدافئة .. احسنت وضع البطانية تحت قدميها .. الآن اشعر بأن قدماي في وضع افضل .. قبل أن تنقلب على جانبها الايمن ..

سمعت ابنتها (ساره ) وهي تقترب من سريرها وهي تقول بصوت خفيض .. هل أيقضتك  اصوات البرد ..كما فعلت معنا .. أمي تعالي قومي الله يخليك استمتعي بمشهده الرائع .. لقد امتلأت حديقتنا الصغيرة  بحباته الؤلوئية .. يالله أمي بلا كسل .. مشهد خرافي .. لايتكرر الا مرات معدودة في حياتنا ..تعرفين منطقتنا فين وفين ينزل فيها البرد .. تململت الام في سريرها وقالت  : سيور .. كيف اقوم انا الآن دفيانه .. واخاف اقوم أتعرض لتيار يسبب لي برد .. وانت عارفه ياحياتي .. أني اكره ما اكره البرد ..قالت ساره : وهي تضغط على مفتاح لمبة ( الكومودينو) الصغيرة .. ارجوان لااضايقك .. بس المشهد يجنن .. قالت ذلك وهي تسحب البطانية من فوق جسدها .. ساره تعرف ان والدتها وبعد تقاعدها من العمل باتت تتأخر في النوم  .. وعندما تنام لم تكن تحب النهوض الا لصلاة الفجر لتعاود النوم من جديد حتى التاسعة او العاشره .. اسقط في يد الام فقامت وهي تتمايل فتمايل جسدها السمين .. فقالت ابنتها مازحة .. : انت بحاجة لرجيم .. لقد زاد وزنك .. بشكل لافت .. فقاطعتها الام  قائلة : تعبت يابنتي من برامج الرجيم .. يبدو ان الرجيم مايصلح للي  في الخمسين .؟! تطلعت اليها ابنتها باسمة وقالت : على مين يا امي من ثلاثة سنوات متقاعدة ومازلت في الخمسين .. وقبل ان تكمل اذا بوالدتها تضربها على ظهرها بلطف وهي تقول : استحي على وجهك .. انت اعرف مني

بعمري .؟!

اسرعتا  بالنزول الى الدور الارضي  فوجدتا الخادمة طلقة المحيا ..  يكاد كل جزء من وجهها ينطق بالبشرى والبهجة .. وهي تحمل في يدها وعاء صيني زاخر بحبات البرد التي جمعتها من الحديقة .. قالت الابنه ساره : وهي تشير الى حبات البرد اللؤلوئية التي تناثرت  على عشب الحديقة وحتى على ارضية طرقاتها المكسوة بالسيراميك الرخامي .. فبدت كعقد من اللؤلوء تناثرت حباته .. : انظري امي .. تعالي .. قربي .. لم استطيع ان انام يا له من  جو رائع…انظري لبهاء اوراق شجرة الليمون  وسعف النخيل ! فوضعت الام وشاحها الكشميري على رأسها واقتربت من فتحة الباب المطل على الحديقة .. وشاهدت المنظر البديع وقالت : بصراحه يا سيور معك حق .. كل الحق أنك توقضيني بل كل اللي في البيت حتى لاتفوتهم مشاهدة هذا المشهد الذي لايتكرر كثيرا ..ثم كررت نعم الجو بديع ولكني بطبعي لا احب البرد  لكنني احب البرد ..؟!

ما اعجب هذا يايمه … ولكن لماذا ؟

انه يملا نفسي بالقلق ..فانا انسانه معى حساسية ضد البرد .. وبسرعه يصيبني الزكام وربما تحول بعد فتره الى انفلونزا تهد حيلي .. الا تذكرين العام الماضي كيف مرضت .. بل كدت اموت لولا لطف الله ثم المحاليل والادويه ورقده يومين في المستشفى الخاص .. والحمدلله ايضا عندي تأمين صحي ولا كان ( اعلوم ) علشان كذا يابنيتي اخاف من البرد لكن حبات البرد احبها بل تذكرني ايام الطفوله وكيف كنا نتراكض في طرقات الفريج ونحن ببخانقنا واقدامنا الحافية نخوض في مياه المطر .. ونجمع حبات البرد ..

فانفجرت (ساره ) ضاحكة وقالت : انك حساسة اكثر من اللازم والقلق يولد الخوف بل حتى يضعف مقاومة الانسان  تجاه الامراض وبالتالي يسهل من يشعر به للتعرض اكثر من غيره للعدوى هكذا يقول الاطباء  .قالت الام وهي تتناول حبة برد من الوعاء الذي تحمله الخادمة وتضعها في فمها :

طبعا يا بنيتي لابد ان اشعر بالقلق فانا في عمر الحذر فيه واجب فلست في عمرك .. ماشاء الله شباب وقدرة الشباب على التحمل غيرنا نحن  … على العموم اني الليلة حريصة على الظفر بليلة نوم هادئة بعد مشاهدة هذا المشهد الجميل … ثم فتحت ذراعيها واحتضنتها  في صدرها كانها تعانق الديرة كلها ..؟! ثم استدارتا واتجهتا الى داخل الصالة الرئيسة .. ثم قالت الام وهي تصعد درج الدور  الثاني ممسكة بالدرابزين ..؟! على فكرة لاتنسين يابنتي تجمعين لنا  بكره من ورد الحديقة نفسي اهدي قفه منه لام سعد .. من يوم شاهدت الورد  في يبتنا وهي دائما تتصل تقول نفسها في كم ورده ؟!  ووعدتها خير ..!

فبتسمت ساره وقالت : ام سعد تحب الورد .. امي اعتقد انها اكبر منك ..

 فقالت امها وهي تأخذ نفسا بعدما تجاوزت الاربعة درجات :(آه … لابد انها اكبر مني .. لكنها ماشاء الله شباب .. محافظه على صحتها .. قلبها بارد .. ثم اضافت أبرد من الجو اللي بره ..  ماتكبر الله يخلف على امك مع اني اصغر منها لكن مثل ماتشوفين صار صعود الدرج يقطع انفاسي ..؟!

نظرت اليها ابنتها وقالت باسمه وبسخرية : صحيح انها اكبر منك .. هذا مافيه شك .. بعدين لاتنسين ياحبيبتي انك كنت تتعبين في عملك ..كنت شايله عمل المدرسة. كله على راسك .. اجل فيه موظفة .. تجيب عملها الى البيت .. من يوم كنت طفلة وانا اشوفك .. ياتكتبين .. ياتحضرين .. يا تعيدين تسجيل تعاميم .. اعتقد لو طلبتي تسجيل التعاميم اللي كتبتيها بخط يدك في سجلات المدارس اللي قمت بادارتها طوال سنوات خدمتك .. سوف تمنحين رقم قياسي من ( غينيس ) للارقام القياسية والله يشهد على ذلك .؟!

ثم توقفت الام ونظرت لابنتها بتقدير واعتزاز : الله يخليك يابنيتي .. انا اللي قمت به من عمل ..كان جزء من عملي وكنت أخذ عليه أجر .. صحيح كنت احمل الكثير من الاعمال الى البيت لاني كنت اعمل باخلاص وحب .. وعندما يحب الانسان عمله يبدع فيه .. ولاينتظر أن يشكره على ذلك أحد هذا متروك لله سبحانه وتعالي وهو العالم بما كنت اقوم به .. اما بالنسبة لماسببه العمل لي من تعب او حتى تأثير في الشكل فكل انسان يختلف في قدرته على تحمل المتاعب الحياتية .. هناك من يتأثر وهناك من لايؤثر فيه أي جهد .. وهذه تخضع لعوامل فسيولوجيه وبيلوجية كما يشير الى ذلك العلماء .. ومع هذا يا ابنتي انا اشعر باني افضل من غيري .. لان عندي خير كثير .. عندي انت واخوانك وخواتك .. ؟!

وبعفويه قامت ابنتها بتقبيل راسها وهو تدعو لها بطول العمر .. ثم قالت : انا احب اتغشمر معك ولا انت شباب على طول .. وانت اصغر من ام سعد .. بل اصغر من جميع حريم الفريج كله .؟! ضحكت والدتها وقالت : الله يغربل شرك ياسيور .. ماتجوزين من غشمرتك .. اخاف انك بتنافسين ام سعد في برودة القلب .؟! فردت ساره : طالعي آخر اخبار الطقس تشير الى ان الامطار والبرد سوف يستمر حتى الصباح .. فرفعت اليها جهاز الايفون لتقرأ الخبر .. ؟! نظرت الام الى الجهاز وهزت رأسها وقالت :  نسيت نظارتي على  (الكومودينه ) انت ماتعرفين ان الاشياء الصغيره ما اقدر اشوفها بصوره واضحة .. المهم المطر خير . وارضنا عطشانه لها فتره وهي تنتظر هذا الخير .. وراحت تغمغم بادعية خاصة بالمطر وخيره وبركته ..

وعندما وضعت راسها على الوسادة المعطرة ابتسمت .. وهي تتساءل ياترى ليه طالبه ورد ام سعد .. ليه ما راحت تشتريه من محلات الورد .. ليه وردنا بالذات .. علشانه ورد بلدي .. ولا تحب تثير في نفسي مثل هذا التساؤل .. او انها تريد ان ترسل لي رساله خفيه .. وفي نفسها نيه ..؟!! آه منها ام سعد اكيد ناويه تعمل عقد من الورد والمشموم .. وتغري به ابو سعد .. الخبيثه .. يعني تقصد تثيرني وتفلفلني .. علشان زوجها ما شاء الله مازال قادر على صعود  السطح  ..؟!! ومازالت هي محافظة على جاذبيتها .. واثارتها له .. خصوصا عندما تضع مايذكره بليلة الزواج .. وعقود الورد والمشموم .. الذي يثير البهجة ويزيل  الهموم .. ؟! وراحت تتذكراحداث ليلة دخلتها  وكيف كانت عقود الورد والمشموم تطوق جيدها بل كانت رائحتهما معا تكاد تشق الرأس كما قال زوجها قبل أن يؤدي صلاة الدخله .؟!

لم تستطع ان تمنع خفقات قلبها من التسارع وهي تتذكر لحظات تلك الليلة واحداثها ولكن ابتسامة الرضا رسمت على وجهها علامات السعادة .. آه ما اروع الذكريات .. انها الغذاء الدائم لحياة الانسان وهو يعيش حاضره .. انها تمده بمشاعر فياضة من اللحظات الحلوة والحميمية والتي لايمكن ان تنسى أبد .. لقد ذكرني طلب ام سعد  للورد بهذه الذكريات التي تهزني الان وتثيرني أكثر .. يالله على ايام شبابنا أنا وابو عامر ..كان كل شيء بين يدينا  الجمال والقوة والشباب … وكان في استطاعتنا أن نعمل ونعمل ..؟!! ولكن الحياة لاتستمر على حال .. فسرعان ماتغير ابوعامر بعدما اصيب بجلطة .. وبات شبه عاجز منذ سنوات .. لاحول له ولاقوة .. بل صار عصبيا .. حاد المزاج .. فكان على ان اضحي واضحي من اجله والاولاد

بل وان أضحي بنصف رغباتي  لرعاية رغباته … ان رسالة ام سعد ( الوردية ) جعلتني اتساءل: هل ترى  لو عادت بنا الايام الى الوراء اوافق على الزواج من ابو عامر ؟ ام أكون ارجح عقلا  من الاندفاع في سذاجة وراء الرغبة في الزواج والموافقة على اول من يتقدم لخطبتي ؟ !.

لم يكن شيء ليحول بيني وبين الزواج من هذا الانسان !.. ولن انسى ذات مرة انه

افلس فلم يبق معه  الا القليل بعدما خسر في الاسهم قبل سنوات كل مايملك مما تسبب فيما اصابه من مرض  .. لقد اضطر لبيع بستاننا الذي ورثه عن والده ليسدد ديونه التي تراكمت عليه من فرط افراطه في التفاؤل في تجارة الاسهم ولولا ان هذا البيت اشتريته من رواتبي وما ورثته عن والدي لكنا الان في بين مستأجر مثل العديد ممن خسروا في ذلك السوق اللعين .. مضت علينا سنوات ونحن لا ندري متى يتصل بنا ليسأل عن سداد ماعليه من ديون او سلف .. ولولا راتبي التقاعدي لكانت احوالنا يرثى لها  ..

اني لم ازل احب هذا  المريض على الرغم من قدراته التي باتت محدودة جدا .. ولو اننا تقاضينا  عن الحب واخرجناه من حياتنا ما الذي يتبقى من هذه الحياة ؟..اما انا فليس امامي متسع كبير لادراك شيء من الماضي الا ذكرياته الطيبة ولحظاتها الحلوة والعذبة.ودخلت  ساره الى غرفتها وفتحت كمبيوترها الشخصي وراحت تنقل صور المطر والبرد لترسلهم لاشقائها وشقيقاتها الذين يواصلون دراساتهم في امريكا وبريطانيا وكتبت لهم بسعادة واعتزاز .. شاهدوا المطروالبرد في حديقة البيت لستم انتم فقط الذين تشاهدون البرد .. حتى هنا .. وكتبت تقول انكم لوشاهدتم وجه الوالدة وهي تشاهد ذلك فسوف تدركون على الفور أي سحر ينطلق من القلوب في وطن الخير ..؟!

——————————————

    قريبا جدا  رواية ( عين الحريم ) سوف تنشر في( المواطن اليوم )  على حلقات مع  قريبا جدا.. روايه جريئة ..للفنان والروائي ( احمد المغلوث )  حيث يروى فتى تجربته من  لحظة ختانه .. بكل شفافية ومصداقية وكيف واجه التحديات في مشواره الحياتي ..الخ

المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها

اترك تعليق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.

أهم الأخبار

سمو محافظ الأحساء يدشّن “وقف الوفاء الأول” لجمعية قبس للقرآن والسنة والخطابة

  المواطن اليوم  دشّن صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، اليوم” الإثنين ” ، […]

  • ديسمبر 2024
    س د ن ث أرب خ ج
     123456
    78910111213
    14151617181920
    21222324252627
    28293031  
  • Flag Counter
  • Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com