تم النشر في الأربعاء, 26 يونيو 2019 , 06:15 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
من لوحات كاتب الرواية ومن وحي لعبة البيلوت
الحلقه الخامسة عشرة من رواية ( عين الحريم ) للاستاذ أحمد المغلوث
رمال مبتلة
شعر صاحبنا بالاختناق وهو يقرأ ذلك .. وضع المجلة جانبا وراح يتمشى على الشاطىء الرملي كأنه يبحث عن نسمة هواء أضافية تحد من شعوره بالاختناق التي وصلها من خلال اعترافات ذلك القارىء المغبون ..عشرات الأطفال والفتيات الصغيرات يلعبون ويتقافزون على رمال الشاطىء .. رجال وشباب يلعبون الكرة ونظرات غبطة تتابعهم من النساء والفتيات الجالسات يحتّسين الشاي أو يقمن بإعداد طعام الغداء داخل الخيام أو خلف أسوار وسواتر قماشية أو السيارات مثل هذه المشاهد هنا مألوفة فقليل جدا أن يشاهد الواحد امرأة أو فتاة تلعب الكرة مع الرجال بحكم التقاليد والعادات .. أحيانا يحدث أن تلعب بعض الفتيات وهن مرتديات العباءة أو الحجاب وغالبا ما يحدث ذلك عندما تختفي الشمس خلف الأفق .. ونفس الشيء يقال عندما تندفع النساء والفتيات إلى البحر بكامل ملابسهن التي تستر أجسادهن الجميلة.. شاهدها فتاة عربية .. واثقة من نفسها، كانت تسير مثله على رمال الشاطىء حافية القدمين ..كانت أسرتها منهمكة بترتيب أمتعتهم وأدوات الطبخ والطعام .. كانوا جميعهم سعدا ..يتضح ذلك في حيويتهم وشعورهم بالاستماع بأجواء الشاطىء والبحر ..سمع احد الرجال ينادي على الفتاة .. ـ: لا تبتعدي بعيدا يا أمال ..!!التفتت إليه .. وقالتـ: أطمئن لن ابتعد..عرف من نبرات صوتها أنها فتاة من الشام أو لبنان ..
كان الطريق أمامهما خاليا تقريبا إلا من بعض الأطفال الذين دفعهم الحر إلى الغطس في مياه البحر الباردة.. الحر مازال شديدا وأشعة ألشمس تضاعف من حرارة الرمال.. لذلك لجأ صاحبنا إلى السير على الرمال المبتلة بماء البحر فهي أكثر برودة وتشعره بانتعاش في قدميه ..ما فعله راحت الفتاة أيضا تفعله بحركة عفوية .. سار غير ملتفت حوله لان المنظر الذي أمامه اختصر جميع المناظر وسحره واستأثر باهتمامه.. كانت رائعة الجمال والحسن ..رقيقة كنسمة البحر الهفافة المنعشة في هذا الجو الحار .. ولما اقتربت منه .. قالت له ( آهلين يا أخ .. إلا يوجد تواليت هنا ..؟) أسقط في يده ماذا يجيبها .. فهو يعلم أنه لا توجد هنا حمامات .. البعض يقيمون لهم حمامات مؤقتة .. وهناك من يعملها داخل البحر أو خلف خيمة أو ساتر .. !! تمنى لو لم تسأله عن التواليت .. يا ليت .. !! وبعد تردد قال أكيد يوجد لكنني لا أعرف أين، ربما في الجهة الأخرى حيث بعض المخيمات الخاصة.. تسمح، قالتها برقة وهي تمد يدها طالبة أن ترى المجلة التي كان يحملها في يده.. طبعا تفضلي .. قالها وهو يغبط مجلته التي سوف يلامس غلافها وصفحاتها أصابعها الرقيقة الناعمة .. بسرعة راحت تقلب صفحاتها .. وهي تقول له: من أين اشتريت هذه المجلة .. أخبرها أنها هدية من قريبه .. أبدت إعجابها الكبير بها .. قال لها بإمكانك استعارتها حتى غدا بعد صلاة العصر .. لأننا سوف نعود في هذا الوقت ..أجابته بلطف: شكرا .. سوف اطلب من أخي الحضور إليكم لاستعارتها.. على فكرة ..ما تشرفت بالاسم .. اخبرها باسمه ..ونظر إليها .. كأنما يلتمس منها لو أخذته معها.. لو سارا معا على الرمال المبتلة بمياه البحر .. ويده في يدها ..آه لو تشعر بما يريده ويتمناه..أعادت إليه المجلة ..وأصبحا الفتى والفتاة وجها لوجه .. عيناها في عينيه وعلى شفتيها ابتسامة لا أجمل ..ودعته شاكرة .. كانت أكثر جرأة منه .. افترقا .. واصل سيره ورغب لو قبل مجلته.. رغبة قد تكون ساذجة في نظر البعض .. لكنها في مثل هذه المواقف . رغبة طبيعية.. مضى الوقت سريعا وإذا بأصحابه ينادونه فلقد حان موعد الصلاة والغداء.. عاد وهو شارد الذهن مازالت صورة الفتاة الجميلة تتربع داخل فكره وعقله .. ..!!يحتضنها، يضغط عليها، آه لو يستطيع أن يجعلها داخله .. في قفصه الصدري ..هذه الفتاة الأنثى .. الرشيقة، وهي تذكره بالفتاة الصغيرة الممتلئة، التي تعمل مع والدتها في بيت خاله…. يداعب بأصابعه شعرها البني الغامق المنساب على كتفيها كشلال ..يهمس لها بأعذب الكلمات .. كل كلمة تمثل رحيق الرحيق ..ويسمع منها .. الكلمات الحلم .. في لعبة الحب والحياة .. آه لو بإمكانه كما قال نزار قاني :
نيراني تأكل نبراني .. آه لو كان بإمكاني…. ؟
تعليقات خبيثة
توقف صاحبنا عن التفكير بعدما فاجأه احد أصحابه بأن يسارع لمساعدتهم في إعداد طعام الغداء .. قام متثاقلا وهو غير عابىء بتعليقات احد الخبثاء الذي شاهده وهو يتحدث إلى تلك الفتاة الملاك .. واتجه إلى موضع إعداد الطعام وراح يساعدهم ..وهو مازال يسمع التعليقات الخبيثة والساخرة .. سمع احدهم ينادي عليه.. خرج مسرعا .. وإذا به أمام شاب يشبه كثيرا فتاته يحمل في يديه صينية معدنية مغطاة بمنديل رسمت عليه خطوطا متقاطعة.. سلم عليه وقال له نحن جيرانكم في المخيم.. الوالد أحب أن تشاركوننا الطعام.. هذه أكلة لبنانية .. وأضاف في حياء أختي تطلب منك استعارة المجلة …. طلب منه أن يتفضل بالدخول وأن يشاركهم الطعام ..شكره كثيرا وقال له: في مناسبة أخرى ..سلمه المجلة وطلب منه أن ينقل تحيات الجميع لوالده الكريم..تصافحا .. الدنيا قائمة قاعدة في الخيمة من فرط تعليقات أصحابه .. بل أنهم راحوا يسخرون من زميلهم الخبيث الذي كان يسخر في خبث من صاحبنا الذي غدا محظوظا ومؤثرا وصيادا ماهرا على الرغم من كونه أصغرهم سنا .. أبن عمه علق قائلا بفخر: كل إناء ينضح بما فيه ..!! قال آخر فكرة أن الواحد يتمشى وفي يده مجله أو كتاب تعتبر فكرة جديدة تساعد على التعارف .. علق ثالث لا تنسون المراسلة ..!!لا .. انتم ما تعرفون أن صاحبنا من هواة التعارف والمراسلة .!!
أجاب أبن عمه أزيدكم من الشعر بيت .. تراه يرسم ..!!
قال كبيرهم الذي أشرف على الرحلة .. المهم أنه أحسن منكم على الأقل أستطاع أن يكسب الناس ويكون علاقات دبلوماسية مع أبناء جالية عزيزة علينا ..!! نظر إليهم .. كان سعيدا ومن المؤكد أن هذا اللقاء العابر مع فتاته .. له ايجابياته .. ليس عليه فقط وإنما على أصحابه .. هاهم الآن سوف يأكلون طعاما لبنانيا ليس من مطعم .. وإنما من إعداد أياد ناعمة ..
ردد ذلك بينه وبين نفسه ..!! ثم قال صارخا فيهم .. الكلام المفيد.. نتغدى الآن الغداء المفيد ..تحلقوا حول سفرة الطعام .. توسط السفرة صحنا كبيرا من الأرز والسمك وحوله توزعت صحونا صغيرة بها رطب اصفر واحمر .. مع صحون أخرى كان فيها بطيخ حساوي ( فريدوني ) إضافة إلى سلطة مكونة من الفجل الأخضر والليمون والبصل .. كذلك تم توزيع سلطة التبولة التي احضرها الشاب اللبناني .. والتي كانت تتكون من البرغل والنعناع والليمون والبقدونس والبصل الأخضر وزيت الزيتون.. كان البعض من أصحابه لأول مرة يتناول هذا الطبق اللبناني اللذيذ والذي انتشر في السنوات الأخيرة في مختلف الدول العربية ودول العالم مثل انتشار الفلافل المصرية والشاورما .. تحدث الجميع عن جودة الطبق ولذته إضافة إلى بساطته فمكوناته تكاد تكون موجودة في أسواق المدينة .. قالوا الكثير عن افتقار المطبخ المحلي لأنواع من المأكولات البسيطة مثل التبولة .. فأشار إلى سلطة شعبية بسيطة ورائعة منتشرة في مدينته بل وفي المنطقة الشرقية والخليجية أسمها ( الودمة ) وهي تتكون من أسماك صغيرة جافة بعد طحنها يضاف إليها قليل من الماء وعصير الليمون ويتناولها البعض مع الكراث.. وكانت فيما مضى من زمن منتشرة في الأوساط الشعبية.. لكنها في السنوات الأخيرة تراجعت شعبيتها وانتشارها مثل الكثير من مأكولات الماضي وهناك من يطلبها في بعض الأوقات كشهوة.. أو رغبة في العودة إلى الماضي ومأكولاته ..!!
لعب ورق
مضى الوقت سريعا .. وهم يتبادلون الأحاديث عن قراءاتهم البسيطة ..متابعتهم لبرامج تلفزيون الظهران .. هناك من تعجبه حلقات المحامي الشهير ( بيري ميسون ) أو أفلام البطل المغوار .. أما هو فكانت تعجبه أفلام الرحلات والاستكشاف والحوارات الثقافية.. يتابع مثلهم المسلسلاتالبوليسية والدرامية وحتى الأفلام العربية والأجنبية.. ولكنه كان دائما يفضل برامج الرحلات .. فهي تنقل له مدن العالم وهو جالس .. مازال يذكر مشاهدته عن مدينة ( استكهولم ) العاصمة السويدية وكيف يغطي الثلج شوارعها الجميلة وتحت هذه الشوارع حياة أخرى .. طرقات ومحلات ومراكز ثقافية مختلفة..!! تواجدهم في المخيم كان محدودا بثلاثة أيام.. مضى اليوم الأول تقريبا ً .. ولابد لهم من التفكير في طريقة يقضون فيها أوقات اليومين القادمين بشكل مدروس .. ففي ساعات النهار يجب أن يتوزع عملهم على القيام بإعداد الطعام ولعب الورق و( الكيرم ) ولا مانع من المشاركة مع الآخرين في لعب كرة القدم .. صاحبنا لا يعرف لعب الورق فأعتذر لكنه يثق في نفسه كثيرا في اللعبة الثانية فسجل أسمه ضمن الفريق المنافس .. وأكد على استعداده للانضمام معهم للعب كرة القدم ..!! كانوا خمسة .. وأتفق الجميع أن يجرون قرعة على من يخرج من تشكيلة اللعب .. في الورق أولا وبعدها الكيرم .. طلب منهم أن يكون خارج تشكيلة الورق لجهله باللعبة وأصولها .. خاصة لعبتهم الشهيرة ( البيلوت ).. لذلك كلف بالتحضير لطعام الغداء .. على أن يذهب حال جلوسه صباح الغد إلى الجهة الأخرى من الشاطئ حيث يتواجد بعض الصيادين الهواة الذين يقومون ببيع صيدهم الطازج من الأسماك.. على أن يحرص على شراء سمك ( الهامور ) أو الكنعد، فهما أفضل للكبسة ..!! وافق على مضض على شريطة أنه يشتري السمك فقط وليست له علاقة بأعداد الطعام .. وبعد أخذ ورد أضيفت له مهمة أخرى تمثلت في فتح حقيبته الجلدية وأخرج أحدى القصص التي احضرها معه وكانت من مؤلفات ( محمد عطية الابراشي ) والذي أخذ على عاتقة نشر الثقافة بلغة سهلة لا صعوبة فيها ولا تعقيد .. كي يسهل على التلميذ قراءتها والانتفاع بها في المدرسة وأوقات الفراغ .. ) هكذا جاء في مقدمة القصص القصيرة التيكتبها الأستاذ الابراشي .. وراح صاحبنا يواصل قراءة القصة وكانت عن الجندي المجهول وقصص أخرى قصيرة جدا يذكر منها في سبيل الوطن والجواب الاسبرطي والوطنية المنسية.. كانت القصص في مضمونها تحث على الوطنية وتثير في القارىء لها النوازع الدفينة التي تسكن في أعماقه فتبث فيها محبة الوطن والإخلاص له معتمدة على نماذج رائعة من التاريخ .. متضمنة الإشارة إلى نماذج متميزة من المخلصين من شعوب مختلفة .. لقد قضى وقتا طيبا بين صفحات قصص الابراشي .. وشعر في داخله بمشاعر شتى تجاه وطنه الكبير .. مشاعر كلها حب وتقدير لؤلائك الجنود المجهولين الذي وقفوا درعا حصينا دفاعا عن هذه الأرض الطيبة العظيمة على مدى القرون الماضية ..!!/ يتبع غدا
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليقاً