تم النشر في الخميس, 13 يونيو 2019 , 10:23 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
الحلقه الثانية . عينُ الحارة /
كم شده كثيرا منظر عين الحارة التي كانت، في ذلك الوقت، أشبه بالبحيرة الكبيرة وانهرها المتفرعة المنسابة في مختلف الاتجاهات..ما أروع منظر السواني وهي ترفع المياه من هذه البحيرة على وقع أصوات ( البكرات الخشبية ) التي تكاد تتأوه من فرط الإجهاد اليومي الذي تقوم به أكثر من مرة في اليوم فتشعر بأن صوت البكرات يصدر أنينا فيه شيء من الموسيقى الرتيبة المحببة والتي يعرفها كل من استمتع بسماع هذه التأوهات الواضحة والمثيرة ..!! .. بل وحتى الفلاح الذي يشرف على مجموعة ( الحمير ) التي تقوم بعملية سحب المياه من العين.. كان يردد بعض الأغاني الشعبية والأهازيج التراثية في سعادة تبدو على ملامحه التي حفرت أشعة الشمس فيها خطوطا تجريدية من التجاعيد رغم أنه مازال في عقده الثالث.. ولا ينسى أبدا نساء مدينته وهّن يحملن على رؤوسهن (القفف) المشحونة بالفساتين والثياب وهن في طريقهن إلى ( عين الحريم ) وهي امتداد لعين الحارة والتي تم أحاطتها بأسوار عالية من الطين .. ذات خصوصية لا يدخل إليها إلا النساء والفتيات أو الأطفال الصغار وتحرس بوابتها نساء شديدات بعضهن ينحدرن من أصول أفريقية كانت جداتهن يوما ما مملوكات لبعض الأسر الحاكمة والثرية قبل إلغاء العبودية ؟!!.. وداخل هذه الأسوار عالم واسع وعجيب.. هنا تقوم النساء بالسباحة والاستحمام وغسيل ملابسهن وملابس أطفالهن وأزواجهن في أجواء حميمة ودودة حيث تشارك النساء بعضهن بعضا في حالة وجود اعدادكبيرة مداخل العين ( عينُ الحريم ) واللواتي بشاركن في بعض الاحتفاليات الأسرية المختلفة والتي تشكل ظاهرة عجيبة ومدهشة .. حيث تحتفل بعض النسوة بابنتهم المخطوبة .. أو التي سوف تتزوج في مساء اليوم نفسه .. حيث يقام لها غداء على هامش ( الاستحمام ) تحضره مجموعة من نساء وفتيات كل أسرة وفي إحدى المرات وصاحبنا وهو طفل صغير غافل والده ودخل إلى ( عين الحريم ) وكانت عيناه تشاهدان كل شيء وذاكرته تسجل كل شيء .. فهذه فتاة تصرخ من فرط الالم لأن والدتها وصويحباتها يقمن ( بنزع ) شعر يديها وساقيها .. وتلك تتألم من قوة تلك المرأة التي تقوم ( بدعك ) قدميها بقطعة من الفخار ( خشف ) لإزالة تلك الطبقة السميكة من المواد القرنية التي تراكمت عليها حيث أن الفتيات فيما مضى من زمن وعلى الأخص فتيات الطبقة الكادحة والبسيطة حيث لم يكّن يستعملن الأحذية .. وبالتالي تتراكم مع الأيام طبقة سميكة على أقدامهن وحتى أيديهن من فرط العمل والشقاء .. كانت في ساحة عين النساء أو حمام النساء تتناثر هنا وهناك السواتر القماشية وحتى ( العماريات ) : تلك المظلات المصنوعة من أقمشة الخيش وأعواد سعف النخيل لتشكل مظلة بالإمكان تكوين ستائر عديدة منها تتيح الخصوصية وتمنع عيون المتطفلين أو الغرباء حتى من النساء والفتيات المتواجدات في الحمام .. وهناك أسر ميسورة نوعا ما تقوم بنصب خيام صغيرة تستوعب نساء هن وفتياتهن وأطفالهن وتتوزع على جانبي مياه العين المتدفقة والحارة نوعا ما ..كم هو جميل ورائع أن تشاهد النساء والفتيات وهن يقمن بغسيل ملابسهن وهن يرددن أغانيهن الشعبية المحببة في جو من الاطمئنان والسعادة .. وكانت الحياة فيما انصرم من زمن، ولنسبة كبيرة من سكان مدينته الصغيرة، قاسية، والموارد شحيحة وهناك أسر كثيرة كان يعمل رجالها ونساؤها في بيوت الأغنياء والميسورين مقابل الأكل والشرب وما يتكرم به أصحاب هذه البيوت عليهم من مال.. وكان الجوع يشتد بالبعض فيقبل أن يعمل في كل ما يأمره به ( عمه ) صاحب البيت فهو يعمل مع زوجته وأولاده وحتى بناته في خدمة هذا العم.. فهو دائما في الخدمة .. وأمر ياعم .. هي المقولة التي يرددها ويكاد يحفظها لسان كل إنسان محتاج !! كانت الحياة صعبة جدا في ذلك الوقت لذلك مازال صاحبنا يذكر كيف كانت النساء والفتيات الفقيرات واللواتي يترددن دائما وبشكل يومي ( لعين الحريم ) لخدمة السيدات والفتيات الثريات.. ينتظرن أن تجود عليهن إحدى الأسر بكمية من الأرز واللحم أو المرق.. كانت الفرحة في عيون الفتيات الصغيرات تكاد تخرج مع الجوع المزروع و الموشوم في العيون . كعلامات رجاء .. وسؤال .. وحتى مذلة .. كان صاحبنا يكاد يبكي وهو يشاهد تلك المشاهد المحزنة والمؤلمة والفتيات الصغيرات يتقافزن نحو القدور لأخذ بقايا الأرز المحروق الذي التصق في قاع القدور أو على جوانبها والتي كانت تسمى باللهجة الشعبية في مدينته ( حكوكة ) .. وهناك من يشتهي هذه البقايا الملتصقة والتي عادة ما تكون محروقة ومتيبسة أشبه بقطعة من خبز ( التوست ) الحديث ..!!
عبن الحارة (عينُ الحريم )
كانت مشاهد لا تنسى .. تبرز أمامه دائما كلما مر على ( عين الحارة ) وهو في طريقه إلى مزرعة خاله .. يتذكر جيدا تلك المشاهد وغيرها .. على الأخص تلك التي كانت تحتفل فيها النساء بمناسبة ما، وما أكثر مناسبات النساء .. النساء والفتيات الجميلات .. والحركة والنشاط بين أصواتهن وأغانيهن وأشعة الشمس وظلا ل النخيل وأسوار العين الشاهقة التي تمنح خصوصية طيبة لمئات النساء والفتيات اللواتي يردن هذه العين الخاصة .. حتى الأسماك الصغيرة ( الحراسين ) التي تسبح وتمرح بين سيقان النساء الممتلئة كان منظرها يشده رغم تقزز نفسه منها .. فلقد سمع صرخات الأطفال والفتيات الصغيرات وهن يصرخن من الالم نتيجة لقرص الأسماك ( الحراسين ) لهن ..!! إلا أن تعوده على رؤيتها كلما جاء إلى هذه العين مع والده للاستحمام في ( عين الرجال ) وهو القسم الأكبر من بحيرة عين الحارة.كانت العين ملتقى رائعا يجتمع فيه وبالصدفة الأغنياء والميسورون والفقراء فأنت تشاهد فيها القاضي والتاجر والموظف يلتقون بدون موعد .. بعضهم لديه أكثر من بستان باستطاعته الذهاب إليه والاستحمام في مياهه .. لكن الحضور لعين الحارة والاستمتاع بمياهها الطبيعية يشكل ميزة ومتعة كبيرة يحرص الجميع على الاستمتاع بها .. كل هذا جعله يتآلف معها ويفضل التردد عليها مع والده..وهو مازال يذكر ذلك اليوم عندما غافل والده مستغلا انشغاله بالحديث مع أحد أصحابه من رجال الإعمال المشهورين في المدينة..دخل إلى ( عين الحريم ) وشاهد مباشرة هذا العالم العجيب الغريب والمدهش.. لقد أتاح له صغر سنه الدخول إلى قسم الحريم وتجول بين المئات من النساء والفتيات .. وأصواتهن وهمساتهن تملأ أذنيه وأحاسيسه الطفولية تكاد تفيض به وتدفعه إلى الشعور بأشياء غريبة لم يعيها تماما .. النساء والفتيات هنا يسبحن بملابسهن الملونة ومع هذا أتاحت له جولته السريعة مشاهدة بعض النساء وهن ( … ) الأغاني .. صراخ الفتيات والأطفال الصغار وهم يلعبون في المياه وضحكاتهم المتدفقة من قلوبهم البريئة.. الطاهرة.. وابتساماتهم المرسومة في عيونهم المشبعة بالحر ورطوبة المياه .. مشاهد وأشكال مازال يذكرها .. تلك الفتاة الصغيرة كانت ترتدي ( بخنقأ ) مطرزا ً بخيوط ذهبية بريسم وترتر وهي ممسكة بطرف خيمتهم المنصوبة داخل العين .. نظر إلي عينيها السوداويين فتمنى لو اخذ ها من يدها وقفزا معا إلى الماء.. أراد ببراءة أن تشاطره الرغبة في اللعب والسباحة.. ونظر إلى وجنتيها فأعجب بلونهما الوردي الجميل .. وراح يحدق فيها .. كانت رقيقة ناعمة كفراشات الحقول .. آه لو يستطيع أن يقول.. لها و يقول .. لقد أعجب بهذه الفتاة الصغيرة وجمالها الجذاب وحتى لباسها الشعبي العريق .. وعندما كبر وأجاد الرسم سجلها في أكثر من لوحة ..!! يا ولد يا ولد.. قالتها امرأة خمسينية ضخمة الجثة وبيدها ( مروحة خوصية ) متهرئة .. وكان قد شاهدها عند مدخل باب ( عين الحريم ) : أبوك يبحث عنك .. ! شعر بالخوف .. وكاد يبول في ثيابه .. فيبدو أنه تأخر كثيرا .. شتمه والده لكنه حمد الله انه لم يصفعه .. ومع هذا راح يعاتبه بشدة لدخوله ( عين الحريم ) وهذا يعتبر عيب .. أجابه وجلا: هناك أطفال كثر في الداخل .. فرد عليه والده ناهرا : هؤلاء مع أمهاتهم وأخواتهم .. يعني يعتبرون حلالا عليهم .. أما أنت فعيب عليك والاهم من هذا حرام ..! أخرسته كلمة حرام .. وألجمته في مكانه مشدوها .. كلمة حرام تخيفه وراح يتساءل بينه وبين نفسه ياترى هل ارتكب ا ثما كبيرا لأنه دخل ( عين الحريم ) مما أستوجب أن يغضب أبوه وان يصف تصرفه بالعيب والحرام .. هل تصرفه وحب استطلاعه هذه المرة لعين الحريم يعتبر تصرفا أحمق وغير مقبول والاهم انه ( حرام ) حرام يعني أنه سوف يدخل النار هكذا سمع من أستاذه وحتى والدته أن الذي يرتكب ( الحرام ) يدخل النار .. تعال : قالها والده وهو يبتسم وأضاف بنبرة حنونة . وهو ينظر إلى وجهه الذي تغير لونه من فرط الخاطر المخيف الذي يدور في رأسه. الحرام والنار.. خير يا ولدي شكلك متغير .. هل أنت جائع .. اطمئن جايب معي ( كليجا ) من عمل جدتك نوره ؟ .. شعر باطمئنان وراحة كبيرة وهو يرى اهتمام والده به.. لم يتردد.. أقترب من والده المشغول بفتح ( المطبقة ) الفضية والتي كانت تحتوي على أقراص الكليجا ـ بسكويت مدينته الشهيرـ والذي تتفنن النساء في عمله .. بل كل بيت في المدينة تقريبا يتميز بعمله بصورة وطعم مختلف حسب الخلطة السرية كما يقولون في هذا الزمن .. في الماضي كانت الأقراص تصنع من دقيق البر الأحمر المضاف إليه التمر ودقيق بعض المكسرات والزعفران والهيل وتوابل خاصة مع السمن البلدي .. لقد أكل أنواعا عديدة ومختلفة من ( الكليجا) في بيوت أسرته الكبيرة وحتى بيوت معارفه وأصدقائه لكن لم يجد مثل ( الكليجا ) التي تقوم بعملها جدته نوره .. نوره هذه الإنسانة الحنون والتي يشعر بحبها له بصورة واضحة .. ويكاد يرى هذا الحب في عينيها المكحلتين.. بل انها تعبر له دائما عن حبها له في الكثير من التصرفات العفوية والتلقائية .. يذكر جيدا عندما مرض لفترة طويلة كانت هي التي تقوم برعايته وتمريضه وهي التي أمسكته بحنان لأم عيد صاحبتها البدوية (لكيه ) في صدره وخلف رقبته .. مازالت آثار الكي محفورة وخالدة في جسده إلى اليوم .. وبعد هذه العملية الوحشية التي أجرتها أم عيد الحنونة .. يؤكد الجميع انه وبعد أيام صار مثل العفريت .. وراح يتشهى ويطلب مأكولات لا تتوفر إلا في( كانتين ) أرامكو .. ولأنه غالى لم تتردد جدته أن ترسل احد أبناء الأسرة إلى مدينة بقيق البترولية لإحضار ما يريد.!! ابعد هذا لا يحبها وهو يرى هذا الحب الصادق من جدته ..؟!!
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليق على الخبرالمواطن اليوم اطلع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، في مقر المحافظة اليوم ” […]
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
س | د | ن | ث | أرب | خ | ج |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 |
8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 |
15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 |
22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 |
اترك تعليقاً