متابعة المواطن اليوم
يوم بعد يوم نصافح حسابا جديدا في الشبكات الاجتماعية بطلته طفلة، تقوم أمها بطمس طفولتها، ووضع مساحيق هائلة تجعلها امرأة، تستخدمها كعارضة أزياء تارة، وراقصة تارة أخرى. تجذب آلاف المتابعين وأحيانا الملايين لحسابها بحثا عن الإعلان والمال، وعندما تمسح الأم هذه المساحيق لاستعادة طفلتها لن تجدها؛ فقد أصبحت امرأة محاصرة بالجماهير والشهرة والمطاردات، لن تتقبل المدرسة ولا معلماتها ولا زميلاتها السابقات، فلم يعد هذا المكان مغريا، فالمغري الآن هو التسوق في الأماكن العامة، والانحناء أمام عدسات السيلفي وسط هدير الهتافات والفلاشات.
وبعد أن تحقق زياراتها الإعلانية للمتاجر والمحال آلاف الريالات لها ولأسرتها، أصبح من الصعب على والديها نهرها أو توبيخها عندما تقترف خطأ أو تهمل دراستها كبقية أقرانها. فهي الدجاجة التي تبيض ذهبا، ولا يمكن لهما أن ينتقدنها فتكف عن الظهور، وتتوقف الإمدادات والإيداعات المالية.
سيجني الوالدان الكثير من الاهتمام والمال والرحلات الداخلية والخارجية المجانية، لكن سيخسران طفلتهما وبراءتها، وستصبح سلعة.
شهرة الطفل مرعبة إذا لم تخضع لتقنين ومتابعة. وهوليوود مليئة بمآسيهم التي نخشى أن تتكرر في مجتمعاتنا مع انتشار هذه الظاهرة الجديدة. فالكثيرون سمعوا عن الأزمات التي عاشها الممثل ماكولي كولكن “بطل سلسلة أفلام هوم ألون”، الذي مثل وهو في الخامسة من عمره، فقد أدمن لاحقا على المخدرات، وتعرض إلى انتكاسات عديدة جعلته يكاد يخسر حياته. وهناك مئات القصص المشابهة.
أيضا، راقبوا التعليقات على الراقصات و”الموديلات” الصغيرات. فُجِعت مرة وأنا أشاهد تعليقا جارحا ومؤذيا على فيديو لإحداهن. بوسع هذا التجريح أن يكسر شخصا ناضجا فكيف بطفلة غضة صغيرة.
ينبغي كذلك أن نحذر وننتبه من المصابين بالبيدوفيليا “اضطراب اشتهاء الأطفال”، فنحن قد نقدم لهم أطفالنا على طبق من ذهب، قد يتعقبونهم ويلاحقونهم ويؤذونهم.
علينا أن نفكر ألف مرة قبل أن نجعل حسابا مفتوحا وعاما لأطفالنا في الشبكات الاجتماعية. علينا نفكر ألف مرة قبل أن نعرض صور أطفالنا، وكيف نعرضها، وأين نودعها حفاظا على أغلى ما نملك.
استثمار التقنية ضرورة وليس ترفا، لكن بضوابط وحرص واهتمام حتى ننجو من جحيمها ونتنزه في جنتها.