تم النشر في الأحد, 7 يوليو 2019 , 10:23 مساءً .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
مؤلف الرواية في الثمانينات الهجرية /
اول تكليف بعمل ..
ذات يوم وكان الوقت بعد صلاة الظهر وكان صاحبنا وعمره لم يتجاوز السادسة عشرة وكان لحظتها منهمكا في رسم احدى اللوحات من بيئة المنطقة . اذا بوالدته تدخل عليه غرفته والتي كانت اشبه ماتكون بسوق حراج وقالت له : احدهم ينقر على الباب وينادي عليك .. فردد وهو يضع فرشاته المبتلة بالالوان داخل علبه بها مادة الكيروسين : خير ان شاء الله . فردت عليه والدته ان شاء الله خير يا ولدي .. واتجه على الفور الى الباب الغربي والرئيسي لبيتهم والذي يقع على الشارع العام فوجد امام الباب رجلان احدهما كان زميل دراسته في المرحلة الاعدادية ( بدر ) رحمه الله اما الثاني فكان رجلا اجتبيا طويل القامة انيق الهندام . دعاهما الى الدحول للمجلس . مرحبا بهما وكان ” المجلس ” عبارة عن معرض دائم للوحاته التي كان يضعها على جدرانه كلما انتهى من لوحة ما ..قبل جلوسهما راح الرجل الاجنبي يتجول داخل المجلس ويتمعن في اللوحات المختلفة وراح زميله يعلق بلغة انجليزية لا بأس بها . شارحا ومعبرا عن اهتمام صاحب المعرض بالرسم والخط .. بعد مرور بعض الوقت جلسوا جميعا على ” الدواشق ” البيضاء المزدانه مساندها واطرافها بتطرير ملون ابدعت في تنفيذه بعض نساء مدينته .كانت لغة صاحبنا اكثر من متواضعة ولكنه كان يقول مايعرفه من كلمات ومفردات . وزميله يصحح بعضها شارحا للرجل الاجنبي .. استاذن منهما وذهب لوالدته طالبا اعداد عصير ليمون . وكانت والدته رحمها الله قد اعدت القهوة والشاي وحتى سلة ” رطب الخلاص ” والعصير سوف تجده خلف باب الممر المؤدي للمجلس .. وعندما عاد حاملا . القهوة والشاي اذا بزميله يخبره بان الشركة المسؤولة عن مشروع ” حرض ” اختارته لتنفيذ 6 لوحات بحجم كبير 3 باللغه العربيه و3 باللغه الانجليزية . ولكن شرط الشركة الوحيد ان يقوم بعمل ” بروفه ” لكلا اللغتين .. وفي حالة موافقة المسئولين سوف يتم تعميده رسميا .. شعر بفخر واعتزاز وشيئا من الرهبة خاصة ان المقاس كبير جدا 3 امتار في 140 سم .لكل لوحة لكنه لم يتردد فوافق على شرطهم لكنه طلب ان يسلموه عربونا لشراء بعض ماتحتاجه هذه البروفه . وطلب ان يمهلوه يومان لتنفيذ ذلك . لم يتردد مندوب الشركة الاجنبي ان سلمه مائتا ريال .وهو يحتسي كوب الشاي بالنعناع الحساوي الشهير . وقبل ان يخرجا من باب البيت ابدى الرجل اعجابه بلوحاته وهو يمد يده مودعا . كاد يطير من الفرح وهو يسمع كلمات الاعجاب والاطراء والرجل يشد على يده النحيلة بقوه ويهزها تعبيرا عن الكثير من التقدير ..كان اليوم شديد الحرارة ولم تكن ايامها اجهزة التكييف قد انتشرت في مدينته رغم وجود الكهرباء نظرا لضعف التيار . ومع هذا شعر بسعادة كبرى وشعر بأن الجو لطيف جدا .. فهذا اول عمل يكلف به من شركة كبرى .. ابشرك ابشرك يايمه . جاء الخير . فتقريبا سوف اقوم بتنفيذ لوحات للشركة التي تشرف على مشروع حرض .. قامت والدته من جلستها في الرواق واحتضنته وهي تقول له الم اقول لك : ان شاء الله خير .؟! قبل رأسها ويدها وهو يقول : الحمد لله كلك خير وبركه .. فردت عليه : عليك بالعمل الزين . واجتهد علشان الله يبارك لك في عملك ..
بعد صلاة العصر . اوقف سيارة اجره وطلب منه توصيله الى مدينة الهفوف . وبالتحديد لاحدى المكتبات الشهيرة والتي تتوفر فيها بعض ما يحتاجه من مستلزمات قرطاسية لعمل “البروفه” المطلوبه .. اتفق مع السائق ان ينتظره للعودة . فهناك عشرة ريالات كاملة تنتظره لأجرة الذهاب والاياب . ابتسم السائق وكان محتقن الوجه . عيناه ثابتتان ومع هذا برزت اسنانه التي تغير لونها من الابيض الى اللون البني ربما من اثار التدخين او لتعاطيه مواد أخرى ..لم يستطع صاحبنا اخفاء ارتياحه لموافقة السائق على الانتظار. دقائق معدودة واذا به يعود للسيارة حاملا مشترواته .. وكان طول طريق العوده الى منزله لايفتأ يفكر بل ويسأل نفسه في كيفية كتابة اعلان الشركة المطول باللغه الانجليزية . فلم يسبق أن كتب هذا العدد الكبير من الكلمات والعبارات . وحال وصوله الى البيت ومحاسبة لسائق سيارة الأجرة . سارع بالتوجه الى غرفته . والتي هي ايضا مرسمه .. وحتى مكتبته الصغيرة .وبدأ في البحث عن المجلات الامريكية فلديه اعداد مختلفة منها خصوصا مجلة لايف وبوست . وبيتر هاوس وبدأ في نزع الصفحات التي تحتوي على خطوط كبيرة . ليدرسها ويختار مايناسب العبارات للبدء في محاكاة الخط المناسب استعدادا لتنفيذ البروفه المطلوبه .. الصق اوراق الرسم الكبيرة التي اشتراها من المكتبه بعضها ببعض بلاصق من الخلف لتشكل نفس المساحة المطلوبة للوحة .. وقرر ان يبدأ بعد صلاة المغرب تنفيذ البروفه .. شعر بسعادة وهو يبدأ العمل بعد ان عاد مباشرة من صلاة المغرب جماعة . كان بيت شقيقته الكبرى ملاصق لبيتهم وبين البيتين ساحة كبيرة متربة . تعتبر ممر للعبور والتواصل بين من يقيمون فيهما .. كعادة شقيقته وبعد صلاة المغرب تحضر لبيتهم حاملة اشياء من الاطعمة البسيطة والتي كانت تتفنن في إعدادها رحمها الله . . كيك . كليجا . بسكوت بالتمر . او حتى فطائر .. حسب مايتوفرلديها من وقت او حتى مواد .. ..هذا المساء كان الطبق الذي اعدته واحضرته معها ” ممروسة ” وهي اكلة شعبية تعتمد على تحمير الطحين وكميه من التمر المنزوع النوى ويضاف اليه المكونات التالية : كمية بسيطة من الزبدة ورشة زعفران ومقدار بسيط من الهيل . وعلى الرغم من كون ” هذه ” الممروسه ” تعتبر طبق مطلوب في فصل الشتاء لكن . يطيب للبعض ان يعدها حتى في الصيف لتناولها مع القهوة .. شكر شقيقته ام محمد على صحن “الممروسة ” الذي وضعته الى جواره وهي تقول له باسمه :تاكله بالعافيه سوف يعطيك طاقة على العمل . . و كان صاحبنا قد مد لوحته الكبيرة في جزء كبير من رواق البيت حتى يكون قريبا من مروحة الرواق والاضاءة وعلى بركة الله بدأ العمل .. وراح يختار حروف الكلمات الانجليزية التي سوف يكتبها في اللوحه والتي تكون العبارات المطلوبة .. من حسن حظه ان هذا التكليف الذي حصل عليه كان في فصل الصيف . وعطلة المدارس . وهذا يعني انه سوف يواصل عمله طوال الليل . وبفضل الله انتهى من كتابة اللوحه على الورق الكرتون الابيض مع صلاة الفجر .. وبعد ان اخذ كفايته من النوم تقريبا .وفي ضحى اليوم التالي عاد للعمل في اللوحه الثانية و كانت باللغه العربية.. وماهي الا ساعة تقريبا وانتهي من كتابتها . . وبعد الانتهاء حمل اللوحتان وفرشهما في ارضية ” المجلس ” وحتى لاتتعرضان للغبار او تدوسهما قطه متسلله من البيوت المجاورة ..؟! . وفي هذه الفترة الزمنية من حياته كانت منتسبالنادي ( الفتح ) بل كانت احدى غرف النادي الشمالية تضم بعض لوحاته . وكان معروفا تقريبا لدي ابناء مدينته أنه يجيد الرسم والخط وكان هناك اكثر شاب في مدينته يجيد الخط اما الرسم فعدهم لايتجاوزن الثلاثة . احدهم واسمه ” على الفجري ” رحمه الله كان رسام المدرسه الاول وكان صاحبنا مساعدا له في رسم الجداريات وخلفيات المسرحيات والأنشطة المدرسية المختلفة .. مضي اليوم الاول وقد انجز ماكلف به . فقرر ان يذهب هذا اليوم الى عين ” الزواوي ” وكانت تقع جنوب بيتهم وتسقي عشرات البساتين من نخيل المدينه خاصة التي تقع في نفس المنطقة . وتتشارك معها في السقيا والري عين ” مرجان ” والتي تقع جنوب المقبرة الجنوبية .. قراره بالذهاب اليوم لعين ” الزواوي ” انه التقى وهو خارج من جامع داود . بحزم المبرز زميله في المدرسة عبد الرحمن وعرض عليه المشاركة في السباحة في عين ” الزواوي” .. ووافق على الفور ./ .. يتبع غدا ..
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليقاً