تم النشر في السبت, 22 يونيو 2019 , 03:05 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات

الحلقة الحادية عشرة   من رواية ( عين الحريم ) للاستاذ أحمد المغلوث

لوحتان لسوق القيصريه بالمبرز كما رسمهما المؤلف في فترات مختلفه من عمره

الحلقة الحادية عشر ة  من رواية ( عيم الحريم ) للاستاذ أحمد المغلوث

( المدرسة الثانية)

      وكعادته عندما يرغب في النوم، يغطي عينيه، ويقوم بعد قطيع من الأغنام وهي تقفزمن احد الأسوار، وبعدها يسافر في غياهب النوم.. في المدرسة الثانية  الابتدائية والتي تقع خارج سور المدينة.  كانت المدرسة تحتل ( قصر داود )   وأكتسب هذا البيت،  ألقصر، أهميته أنه أول بيت يبنى خارج سور المدينة حيث اقتطعت مساحة أرضه ألكبيرة من مزرعة تابعة لصاحبه الشيخ داود.. وكان شاهدا على ازدهار فن البناء في الإحساء بصورة عامة، والمبرز بصورة خاصة؛ إضافة إلى أن القصر اكتسب أهمية كبرى بعدما تم استئجاره ليكون مقرا للمدرسة الثانية ويمتاز القصر بالبساطة في التخطيط والتصميم المعماري وبنقوشه الجصية الموجودة فوق النوافذ التي تطل على الأروقة أو بوابته الخارجية وداخل بعض الغرف .. نقوش ذات الطراز الحساوي الجميل والتي أبدعتها أنامل أساتذة البناء المشهورين وباستخدام مواد بسيطة ومحلية ومتوفرة كالحجارة البيضاء والجص والنورة وجذوع النخيل، بالإضافة إلى الدنجل والبمبو المستوردة من الهند والبواري التي جلبت من البصرة؛ هذه المواد التي بني بها القصر جعلته يتكيّف دائما من الظروف المناخية السائدة في المدينة .. وبالتالي تحافظ الحجرات والغرف على البرودة ولا تسمح بتسرب حرارة الشمس داخلها وفي فصل الشتاء تلعب الجدران دورا كبيرا في إبقاء الحجرات دافئة وذلك ناتج لضخامة الجدران التي تزيد سماكتها على المتر إضافة إلى كون المادة الجصية الممزوجة بالنورة لا تحتفظ بالحرارة كما هو حاصل في مادة الاسمنت ..  وكان مكونا من ثلاثة ادوار ويحتل مساحة كبيرة حيث تطل غرف الدراسة  ومكاتب الإدارة والنشاطات على أربعة أروقة ومثلها في الدور الثاني وجميع الأروقة متكررة ومتماثلة تتوسطها ساحة كبيرة مربعة .. تستخدم  لاستعراض  طلاب الفصول  المختلفة وسماع تحية العلم وحديث الصباح  .. كانت المدرسة عالماً مدهشاً ومثيراً.. فيها يجد  الطالب  ما يحب .. الصحافة الحائطية  والرسم وحتى بعض ألوان من النشاطات الأخرى .. التي كانت نشاطات فاعلة ومؤثرة.. من أتي بهذا الزخم من العلوم والثقافة والنشاط لهذا البيت الذي تحول إلى مدرسة .. لهؤلاء المئات من الطلاب القادمين من مختلف أحياء مدينته والقرى المجاورة لها..المدرسة تبتسم له يبتسم لها. . الفصول.. الحصص.. درس الحساب الذي لا يحبه، وحصة الرسم التي يجد نفسه فيها.. والخبز الأحمر وأكواب الحليب الصباحي.. ومعارفه من الطلاب الذين يعرفهم والذين يحبهم وينعمون معه بالرفقة والصحبة .. وصوت مراقب المدرسة  الوسيم .. يتعرف على كنوز من المعرفة .. يتنافس مع أحبته الطلا ب في تقديم  أفضل المواد الإنشائية لصحف المدرسة  وهي كثيرة .. تكاد تغطي جدرانها الناصعة البياض ..هاهو موضوعه الذي لخصه عن حكاية غريبة لطيفة قرأها في كتاب لأحد الإبطال العرب البواسل ( عبد الرحمن عنان ) قائداً لسرب طائرات .. والذي كان أسيرا لدي إسرائيل، التي نعته الصحف المصرية يوم 25مايو 1948م، وهو كان مازال حياً يرزق.. فلقد قست الظروف على أهله فبعد أن نشرت الصحف النعي وأقيمت ليلة مأتمه وبكاه الأهل والأصدقاء وتوافد الناس على والده وأخوته وأسرته المعروفة في بدموه .. فوالده كان عمدتها ..بعد ذلك اتضح أنه حي .. لقد قام هذا الطيار الباسل بتأليف قصته في الأسر وما قام به هو زملاؤه أفراد السرب من بطولات  عظيمة جسدتها كلماته ويومياته ..  فنشر صاحبنا  بعضا منها  مختصرا عن قصة هذا البطل العربي وما واجهه من تحديات ومواقف مع الأعداء تحت عنوان قصة البطل الميت الحي ؟؟!!.. وتمنى لو تحولت قصته إلى فيلم أو مسلسل تلفزيوني..كان هذا الموضوع مثار أعجاب قراء الصحيفة الحائطية..

     هاهو الأستاذ عبد الرحيم مدرس التاريخ  .. بعمامته البيضاء التي تلتف بدقة حول طربوش أحمر.. وقفطان صوفي تحته ثوب ابيض .. وجهه يبتسم وتبتسم معه نظارته وأساريره وهو يشاهده  وهو يطالع صحيفته الحائطية التي يشارك بالكتابة فيها ويرسم مواضيعها .. صافح أستاذه وقبل أن يسحب يده قال له الأستاذ: موعدنا ألليله في مجلس خالك.. سوف تسجل إجابتي عن سؤالك عن ابن بطوطة .. والله تورطت..! كاد يصرخ بها في وجهه .. لكنه قال  : ولا يهمك يا أستاذ .. أنا جاهز .. وبالمناسبة سوف انشر الموضوع في العدد القادم من صحيفة الفصل.. أجابه حسنا تفعل يا بني ..مع كل يوم مدرسي كان يشعر الصبي بالفرح وان في داخله شيئا جديدا يريد أن يعلن عنه مبكرا.. تماما مثل بداية فجر كل يوم .. نعم إنه يشعر في المدرسة ببداية جديدة في حياته يرتاح لها وينطلق معها بين ألوان النشاطات والمعارف.. وتنطلق معها وبين أروقتها خطواته وخطوات المئات من زملائه في المدرسة وما أكثرهم..

                                  سوق المدينة

      أشعة الشمس الذهبية تتسلل من بين سعف النخيل وهي تودع نهار اليوم الذي يخف توهجها ودفئها، وكأنها تجمع أطرافها وثوبها ألشعاعي اللامع منطلقة إلى الغرب.. وكل شيء في المدينة هادئ يمضي في تأمل شارع السوق وهو يتلفت حوله..  هاهو جامع المدينة الكبير بمنارته العالية  وقبابه البسيطة ..ومازال الجامع متناسقا بسيطا وملائما للمباني التي حوله من دكاكين وحوانيت .. القيصرية؛ سوق المدينة الوحيد والذي تتجمع فيه مختلف الأنشطة والأعمال، والباعة.. مزيج عجيب من مختلف الأنشطة التجارية والصناعية التقليدية .. حيث توجد حوانيت الصفارين والخرازين والحدادين والنجارين.. والسوق يتكون من  اربعة ممرات طوال تقع الحوانيت والدكاكين على جانبي الممرين  المسقوفين  بجذوع النخيل وخشب الجندل . وفوق الحوانيت نوافذ بارتفاع متر وعرض متر ونصف لدخول النور .. فالإضاءة، وعلى ألأخص في النهار، طبيعية .. وعادة لا تفتح الحوانيت أو الدكاكين في الليل إلا في شهر رمضان أو الليالي التي تسبق عيد الأضحى ..وغالبا  تغلق المحلات مع آذان صلاة العشاء .. بعض الحوانيت ذات العلاقة  والتي قد يحتاجها الناس بصورة دائمة كالخياطين والحلاقين كانت تتاح لهم فرصة التأخير في إغلاق حوانيتهم لفترة إضافية  لكنها لا تتعدى الساعة التاسعة ليلا .. وبمعرفة الشرطة .. وبعد صلاة المغرب يبدأ رجال العسس في الانتشار في القيصرية والمنطقة المحيطة بالسوق خصوصا ً وأن هناك حوانيت تم فتحها بجوار القيصرية مثل سوق اللحم وحوانيت بيع الأسلحة التقليدية والتي تشتمل على السيوف والبنادق والخناجر.. كان يستمتع وهو يشاهد المباني والحوانيت وحركة الناس في السوق .. منظر الرجل الذي يحمل على ظهره قربة الماء وهو يرش ارض السوق لتلطيف الجو وللتخفيف من حرارة ارض التي اكتسبت حرارة الشمس طوال النهار. كان منظر الرجل يشده كثيرا وهو يمارس عمله بصورة سريعة متنقلا  لكل زاوية ومساحة، بل إنه لا ينسى أن يحيي هذا ويسلم على ذاك .. خطواته السريعة وحركة يده الممسكة بفتحة القربة وهو ينثر الماء كرذاذ المطر مازالت موشومة في ذاكرته إلى اليوم .. يمتد أمامه الشارع الترابي وهو يحمل في حبور مجلاته المصرية التي  اشتراها من الحانوت  الصغير في أقصى السوق .. كان سعيدا بها رغم مضي أكثر من شهر على صدورها فهي لاتصل إلى مدينته إلا في سيارة البريد القادمة من جدة.. وشكر الله كثيرا أنه حصل عليها قبل أن يفوز بها احدهم فالكمية التي توجد في هذا الحانوت تعد على أصابع اليد الواحدة  ..وهو يعرف أن صاحب الحانوت ( المكتبة الصغيرة ) والوحيدة في المدينة .. يعتبر من جيرانهم وهو من أسرة كريمة ومعروفة بيته لا يبعد كثيرا عن بيتهم وهو بالتالي له حظوة عنده اضافة إلى تقديره له لاهتمامه بالقراءة والاطلاع في وقت كان القرش الذي يصرف على مثل هذه المجلات.. يشتري طعاما لأسرة كبيرة .. لكن الحمد لله  أحوال  أسرته ميسورة ووعيها الثقافي كبير فلقد خصص والده له ولشقيقه الذي يكبره مصروفا شهريا لا بأس به..!!

     وهكذا كان هذا المصروف  يتيح له شراء المجلات والصحف العربية والمحلية التي كانت تصل إلى مدينته بين فترة وأخرى إضافة إلى ذهابه مرة في الشهر إلى مدينة الهفوف  حيث تتوفر في مكتبة الملا   ( مكتبة الاحساء الثقافية )بعض الكتب والقصص والتي لا تتوفر في الحانوت الصغير بمدينته .. كان عالمه المعرفي بدا يتكون من هنا؛ ومن هذه الأجواء  : المدرسة  والمكتبة وبيت خاله إضافة إلى ما يحمله له والده عند عودته من عمله بشركة الزيت من المجلات وصحف توفرت له  طوال أيام عمله هناك .. صحيح أن الغالب على هذه المجلات أنها مجلات وصحف أمريكية.. ومضت عليها اسابيع او حتى شهور إلا أن ما تشتمل عليه من صور ورسوم ملونة كانت تعتبر بالنسبة له الإرهاصات الأولى لتشبعه بالعملية الفنية والإبداعية في الرسم والاهتمام بالأبعاد التكوينية للعمل الفني .. هنا كانت إطلالته الأولى على اللوحات العالمية  .. شاهد في هذه المجلات كيف سجل الفنانون العالميون المبدعون أعمالهم الفنية العظيمة وفيها حفروا أرواحهم على القماش .. كانت مشاهدة لوحات   ( فرمير .. وديجا ..وكنستابل .. ورمبرانت .. وجويا .. والسير الما تديما .. ونورمل راكول  وغيرهم..)  من المبدعين العظام و الذين صوروا مجتمعاتهم حسب أساليبهم وقدراتهم  كانت وراء تجربته الإبداعية ومحاولته الإجادة قدر المستطاع  في أعماله ولوحاته الفنية المختلفة ..عندما أصبح صاحبنا بعدها من رواد التشكيل في بلاده../ يتبع غدا 

 

المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها

اترك تعليق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.

مهرجانات

سمو محافظ الأحساء يطلع على مبادرة التعليم “نعاهدكم ببناء جيل منافس عالمياً”

المواطن اليوم اطلع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، في مقر المحافظة اليوم ” […]

  • فبراير 2025
    س د ن ث أرب خ ج
    1234567
    891011121314
    15161718192021
    22232425262728
  • Flag Counter
  • Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com