تم النشر في الجمعة, 21 يونيو 2019 , 06:16 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
الحلقة العاشرة من رواية ( عين الحريم ) للاستاذ أحمد المغلوث
الحسناء ام البخنق
أدارت عينيها بسرعة في وجه ابوصالح .. كان خمسينياً، ولم يكن وسيما. كان يحمل وجها يمكنك أن تراه في كل مكان.. الأسواق.. الطرقات.. بمعنى أن وجهه مألوف وعادي إلا أنه يتسم بتلك الطيبة والصدق اللذين تجدهما في الكثير من أبناء هذه الأرض .. بسرعة تعتاد عليه .. ولا تملك إلا أن تحبه وتحب أن تتعامل معه.. من هنا فهو يعتبر من التجار المعروفين في سوق القيصرية .. لقد توارث تجارته أبا عن جد.. بل ومع انتشار استخدام السيارات من الإحساء للرياض والمدن الأخرى .. صار يتعامل أكثر مع تجار آخرين .. وهاهو احد معارفه من تجار الرياض يقوم بزيارته للاستشفاء في عين نجم فهو يعاني من مرض جلدي نصححه الأطباء بالسباحة في المياه الكبريتية وهي متوفرة في هذه العين الأعجوبة..لقد سعد كثيرا بحضور أبو مساعد للإحساء وسعد أكثر بان يشارك في خدمته وقضاء وقت ممتع معه .. فأحاديثه وبساطته تضاعف من شخصيته وقيمته.. عفاه الله مما ابتلاه ..كان يوما سعيدا عليه عندما التقاه في صباح ذلك اليوم .. لكن يبد و أن هذه السعادة بلقاء صاحبه أبو مساعد.. انتهت بما شاهده من جريمة في بيته .. هل يسمح لما حصل اليوم أن يؤثر عليه .. هل يسمح لمثل هذه الجريمة النكراء أن تتكرر ..؟
لقد سمع كثيرا من القصص عن غيرة النساء وكيدهن العظيم.. لكنه لم يشاهد منظرا مقززا ومؤلما كما شاهده ظهر اليوم في بيته.. بيت الطيبة والخير ومن هو المتسبب في هذا الذي حدث ؟ أليست زوجته الأولى وشقيقته وخادمتهما الهوجاء .. كدن يتسببن في موت زوجته الثانية .. الزوجة الحلم .. الزوجة التي أشعرته بأنه إنسان .. وأعادته إلى قمة الحيوية والنشاط والشعور ببهجة الحياة .. أعادته إلى أيام الشباب والفتوة والقوة ..والقدرة على الصعود على ( السطح ) بجدارة وحيوية ونشاط ..؟!! قال بأسى وكأنه يحادث نفسه : أردت أن اخفي زواجي عنها احتراما لمشاعرها ومشاعر الأولاد .. لم أحب أن أصارحها بزواجي لأنني اعلم يقينا بعدم موافقتها على مجرد فكرة فكيف لو كانت حقيقة ..أعلم جيدا اعتزازها بنفسها وتصورها الدائم بأنها فقط والى الأبد .. الزوجة الأولى والأخيرة ..وهي لا تعلم أن إرادة القدر.. فوق إرادتها وإرادتي .. فانا قبل وبعد إنسان مسير في هذه الحياة.. وراح يتذكر كيف شاهد زوجته الثانية قبل سنوات عندما كانت فتاة صغيرة ترافق والدها في سوق القيصرية وهي ترتدي( البخنق الذهبي) ..وعندما سأله عن اسمها أجابه اسمها حسناء فعلق تلقائيا انها حسناء الإحساء .. وتدور الأيام والسنوات ويلتقي قبل شهور بوالدها على هامش حفل عرس في عين أم سبعة .. وبعد تبادل الأحاديث .. سأله عن ابنته حسناء فقال له ..انها الآن تنتظر النصيب .. لقد كبرت صارت .. عروس..وما هي إلا أيام حتى تتقدم إلي والدها بعد تردد وبعد أن صلى .. صلاة الاستخارة، فإذا بوالدها يوافق بدون تردد وهو يقول له: إحنا نشتري الرجال يا عم أبو صالح.. ويضيف والله لو تأخذها بعباءتها .. ما ترددنا .. آمر يابو صالح وتدلل.. وأنه يذكر جيدا كيف أوضح لوالدها انه مضطر لظروفه العائلية أن يكون الزواج شبه سري مؤقتا وبعدها سوف يقيم حفلا كبيرا في عين أم سبعة تتحدث عنه المدينة لسنوات.. وتأكيدا لتقديره لحسناء الإحساء قام بشراء بيت كتبه باسمها في ( المبرز ) حتى يكون بعيدا عن أنظار أسرته.. لم تصدق حسناء انها باتت تملك بيتا باسمها إلا عندما قرأت الصك المختوم بختم قاضي المحكمة.. كادت تطير من الفرح .. فهذه أول مرة في حياتها تشعر بالاطمئنان وإنها تسكن بيت تمتلكه .. فوالدها عانى كثير من إلا جارات والتنقل من حارة إلى حارة ..هاهي الآن ملكه .. وحلاله .. ومبعث سعادته.. هاهو يراها الآن وقد تعرضت للاهانة في بيته ..
دمعت عينا ابوصالح الطيب وهو يحتضنها ..معتذرا لها.. وهو يطمئنها انها سوف تكون سيدة هذا البيت .. وان الحياة القادمة سوف تكون أكثر سرورا وبهجة .. رأت في عينيه .. صدقاً و ثقة واطمئناناً .. وأملا .. قوة وعطفاً وحباً واهتماماً.. أشياء كانت بحاجة دائمة إليها فهي قبل وبعد ذلك امرأة وضعيفة .. والحياة صعبة تحتاج فيها المرأة إلى من تعتمد عليه . وتلاقت نظراتهما في حب وراحت تقبل يده في تقدير كبير وسط نظرات حاقدة وحزينة من زوجته وشقيقته وخادمتهما..؟! لم تكن حسناء تعرف الحب بمعناه الحقيقي .. الحب الذي عرفته؛ حب طفلة لأسرتها. والدها والدتها أخوانها و شقيقاتها . وحتى صديقاتها من بنات الجيران وزميلاتها في المطوعة .. كانت تحبهم وتأنس بهم .. أما الحب الرومانسي الممزوج بالمتعة الجسدية فلم تعرفه الا مع هذا الرجل الصالح .. ابوصالح .. كم هي سعيدة ومحظوظة بهذا الزوج المحب والمخلص .. لقد كشفت هذه الحادثة اللعينة معدن زوجها وصدقه لحبها .. ولا يمكن أن تنسى أبدا هديته في صباحيتها كانت زوجين من ( الحجول الذهبية ) والاهم انه قام بوضعهما في قدميها .. بل لم يتردد في تقبيل قدميها وإشارته بحب عن روعة وجودة الحناء الذي غطى جزأ كبيرا ً من قدميها ويديها..وأشعرها تلك الليلة بأنوثتها .. لقد عزف على جسدها أروع الأنغام والألحان وليدة الحب والشوق والشبق .. بل قادها إلى بحيرة من النشوة الآسرة .. ولولا الحياء لطلبت منه أن يعود للعزف من جديد.. فكم كان رائعا .. هاهو الآن يجدد حبه لها، بل ولم يتردد عن إشعارها بأهميتها كإنسانة .. فلتحمد الله كثيرا على هذه النعمة .. وقالت له هامسة:ابوصالح ساعدني .. أتغسل .. أبغي أصلي ركعتين شكرا لله على نعمته وفضله .. لقدأرسلك لإنقاذي .. جزاك الله الخير كل الخير.. ساعدها في النهوض وضعساعدها على كتفه واتجه معها إلى حمام المجلس.. وهي تكاد تسحب جسدها المتهالك.. المرهق.. المضروب..!!
بسرعة أشعل السراج داخل الحمام، الذي كان مخصصا للغسيل والوضوء، وراح يصب عليها الماء .. فجأة صرخت: هناك شيء سقط منى يا أبو صالح، طالع ..؟ وضع الإبريق جانبا وحمل السراج ليشاهد على ضوئه تلك الكتلة الدموية ولم يتردد في تحسسها بأصابعه.. عندها صرخ في الخادمة أن تأت سريعا.. جاءت الخادمة خائفة . وصاحت وهي تشاهد ما في يد الزوج . لقد ( أ سقطت . ). يا عمي .. كانت المسكينة حبلى.. طلبت منه الخروج وان يتركهما وحدهما ..!!أنت وراء ما حصل .. تسرعك .. وضيق تفكيرك وغيرتك العمياء.. أنت ِ والمهبولة أختي وراء ما حصل لزوجتي .. أطمأنيتي ألان .. لقد أسقطت .. لقد مات جنينها .. يا ويلكم من الله .. إجابته: لكنك شريك معنا.. لماذا أخفيت عنا زواجك ..؟! أنت رجل جبان ولا تملك القدرة على المواجهة.. ولا تنس أن هذا شيء مكتوب.. !! لكنك تنسين أو تتناسين أن الله له حكمته .. وهو اللي وراء زواجي .. وهذا أيضا شيء مكتوب..!! ردت: لم أكن لأفعل ذلك لو كنت على علم بما أخفيته.. أذن لا تلمني..؟! مرت لحظات كانت الخادمة قد قامت بغسيل حسناء والاعتناء بها وهي تتأسف لها هامسة..انها لم تقصد أبدا أن تشارك في إيذائها ولكنها عبد المأمور .. ماذا تفعل لقمة عيشها في هذا البيت .. وهي بحاجة إلى العمل على الأقل لتطعم أسرتها .. عيناه تتابعانها وهي تخرج من الحمام سارع بالإمساك بها وبسرعة حملها بين يديه ودخل بها المجلس ومددها على ( الدوشق ) وطلب من الخادمة بسرعة .. إحضار قطن نظيف .. مع عمل عصير ليمون وإعداد غداء ممتاز يعوض ما خسرته من جهد ..!!
نسيت أم حمد أنها تحمل إبريق الشاي واخذ الشاي ينساب من فنجان أم عبد الرحمن جارة جدته إلى أن تنبهت لعملها فكادت تحرق يدها الممسكة بالفنجان فلقد انشغلت مندهشة ومتأثرة بهذه الحكاية التي لم تكن أبدا ضاحكة.. فأعطت الفنجان لام عبد الرحمن وهي تقول: يا أم سالم هذه قصة تبكي وتقطع القلب.. والحق أقول لكم إنني أحسست وأنا أتابع الحكاية أنني أتعاطف مع هذه المرأة سواء أكانت زوجة حقيقية أم صديقة لأبو صالح .. فما حدث لها يعتبر غير عادل أبدا.. مسكينة الفقيرة.. فلفل هندي في فمها ..الله لا يبلانا ولا يبلى العدو..!! تحت الغطاء الأبيض كان يتابع ويسمع ما يدور حول الحكاية من تعليقات هذه متعاطفة مع أم صالح وشقيقته وتلك مع الزوجة الثانية وما لحقها من ظلم واضح وتصرف وحشي.. حتى هو شعر بضيق .. راح يلملم نفسه ..تدركه الحيرة .. وراح يفكر كثيرا في الزوجة وموقف ابوصالح من زوجته وشقيقته وتمنى أن تكمل الحكاية أم سالم .. لكن استئذان أم عبد الرحمن خوفاً من أن تتأخر كثيرا عن بيتها.. جعل أم سالم تنهي الحكاية عند هذا الحد ..هو يتمدد بارتياح ../ يتيع غدا
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليقاً