تم النشر في السبت, 15 يونيو 2019 , 07:15 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
الحلقه الرابعة من رواية ( عين الحريم )
أم سالم
وكان منظر أم سالم، المسؤولة عن إعداد القهوة والشاي والحليب، بسنها المكسورة، والأخرى الذهبية، ووجهها المستدير المنتفخ من فرط السمنة، وما تثيره صورتها عندما تشعل النار في عيدان الحطب وتنفخ بفمها حتى ترتفع السنة اللهب في الموقد.. عندها تعتدل في جلستها وتأخذ نفسا عميقا كأنها عائدة من سباق للهجن.. كان منظر خديها المنتفختين واللتين يكادان ينفجران من ضخامتهما ومن حدة النفخ إضافة إلى ما تركه هباب الدخان على وجهها الأسمر من سواد مدعاة للإثارة والتعجب.. مره قفزت أم عيد إليها وأخذت بإصبعها شيئا من الرماد ووضعته على شفتها العلوية وقالت طالعوها أليست الآن: أبو سالم .. وتضاحكت النسوة من تصرف أم عيد العفوي ..!! أم سالم حملت هذه المزحة الثقيلة لام عيد وانتظرت يوما ما لتعيد لها الصاع صاعين كما يقولون .. بعد أسابيع جاءت الفرصة لام سالم عندما قامت بتوزيع أكواب الحليب على النسوة.. وما هي إلا فترة بسيطة وإذا بأم عيد تقوم من جلستها وتهرول مسرعة إلى الحمام بعد أن قذفت بالعباءة والبرقع بصورة هستيرية ..!! وبقع رطبة تكاد تشف من دراعتها المقصبة وسائل اصفر بدا واضحا على ( المداد ) .. وهي تصرخ يا ويلي ويلاه ايش اللي جاني .. ؟! لم تتردد والدته في أن تذهب مسرعة خلف أم عيد وهي قلقة ولا تعلم ما جرى لها .. شعرت النسوة أيضا بقلق شديد ورحن يتساء لن عن السبب وما جرى لام عيد .. بسرعة قامت جدته واتجهت خلف والدته وعلامات الحيرة والدهشة ترسمان علامات استفهام حول ملامحها ..!! والدته تعود وتذهب سريعا إلى ( دار) غرفة جدته .. وتعود حاملة (دراعة ) من (دراريع ) جدته وبعد وقت طويل عادت أم عيد تسحب نفسها سحبا بمعاونة جدته ووالدته وهي أشبه بالمنهارة .. سلامات سلامات قالتها أكثر من واحدة لكن صوت أم سالم كان الصوت الطاغي وهي تقول: عسى ما سقطتي يا أم عيد .. مسكين أبوعيد نفسه في ولد ثاني قبل العيد .. وأضافت ساخرة: لكن اللي نعرفه أن الحريم العجز ؟! عمرهن ما يحملن ولا يسقطن ..!!التفتت إليها جدته بغضب وهي تقول: أستحي على وجهك يا أم سالم .. الوقت ماهو وقت مزح وسخرية و ( تطنز) المرة يبدو أنها ماكله شيء أو شاربه شيء جعلها ( تسهل ) بسرعة .. نظرت أم سالم غير مبالية لما قالته جدته .. وهي تكتم ابتسامة خبيثة بين شفتيها الكبيرتين ..!
أم عيد
تمددت أم عيد على ( الدوشق ) وهي في إعياء شديد ووجهها المخطوف الممتزج ببقايا الجمال العربي الأصيل يكاد يشع نورا .. ويزيده التعب قدرا .. جلست جدته إلى جوارها وهي تسمي عليها وتطلب منها أن تتذكر ما سبق وأن أكلته قبل حضورها إلى البيت .. أجابتها بصعوبة .. ما أكلت شيء يا أم عبد اللطيف.. على لحم بطني من الصبح لولا كوب حليب أم سالم.!!طلبت جدته من خادمتها أم حمد أن تسرع بتحضير قليل من (المرة ) مع مزجها بقليل من الماء والعسل. عادت أم حمد حاملة فنجان المرة بالعسل وناولته أم عيد وهي تردد الأدعية . طالبة من الله الشافي المعافي أن يشملها بعنايته ورعايته وسط ترديد الحاضرات من النساء ،الدعاء نفسه، وهّن يبديّن تعاطفهن الشديد مع أم عيد .. !!
يشعر بتقدير كبير لجدته وسياستها وإدارتها الحكيمة لبيت خاله الكبير والذي يضج بالخادمات والعاملات. فالتعامل مع خادمة واحدة يتطلب قدرا كبيرا من الحكمة والدراية وسعة الصدر .. فكيف بعدد يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إضافة إلى عدد آخر في بعض الأيام أو عند وجود مناسبة ما.. اجتماعية أو أسرية.. كانت العلاقة التي تربط جدته بالخادمات علاقة حب وتقدير فطوال سنوات طفولته لم يجدها تقسو على خادمة حتى لو ارتكبت خطأ ما وقد يكون هذا الخطأ كبيرا جدا يتسبب مثلا في خسارة كبيرة.. كانت التحف والهدايا وعلى ألأخص الزجاجية النادرة والثمينة، والتي تعود إلى قبل نصف قرن وكانت لدي جدته طقما زجاجيا للأكل حصلت عليه من حفيدتها التي تزوجت من احد ا الوجهاء . والطقم هذا كان صناعة انجليزية وتعتز به جدته ولا يوضع على السفرة إلا في المناسبات .. وفي أحد الأيام قامت ابنة إحدى الخادمات والتي تعمل مع والدتها في البيت بالتسبب، وبطريق الخطأ، في كسرا كثر من قطعة من هذا الطقم الثمين بسبب حملها لمجموعة منها بدون أن تحسن طريقة الحمل أو أن ترفق على الطقم خلال عملية تنظيفه ..وبعد الحادثة هربت الفتاة إلى بيت أهلها دون أن تخبر حتى والدتها التي راحت تبكي بحرقة أمام جدته وهي تقدم الأعذار المختلفة .. وكان الجميع يتوقع من أم عبد اللطيف أن تصرخ فيها ا و توبخها لان الطقم الصيني عزيز جدا عليها وله قيمته في نفسها …. لكنها لم تقل شيئا غير .. قدر الله وما شاء فعل .. قدر الله وما شاء فعل .. بس روحي بسرعة إلى بيتكم وطمنيني على البنت .. البنت (حصيصه ) عندي أهم من الطقم وغير الطقم .. فإذا بالأم تلثم يد جدته وهي تبكي وتدعو لها بطول العمر وهي جالسة حول قدميها.. وما أكثر ما سمع هذه الدعاء في بيت خاله من العشرات من النساء والفتيات وحتى الصبيان الصغار الذين يرسلهم خاله إلى البيت حاملين إليه احتياجات البيت اليومية من لحوم وخضار وفاكهة .. فهل استجاب الله دعاء هؤلاء وأولئك..؟ فلقد عمرت جدته حتى جاوزت التسعين عاما. كانت، كما ذكرت، حكيمة رقيقة في تعاملها مع من يعمل معها أو حتى مع أولادها وبناتها وأحفادها .. فكانت بعض العاملات جئن للعمل لديها وهّن صغيرات مع أمهاتهن .. وتمضى الأيام ويكبرن ويرفضن حتى بعد زواجهن ترك بيت خاله .. كانت جدته تطبق مقولة ( الدين المعاملة ) على الجميع .. فكم من مرة شاهدها تحنو على إحدى بنات العاملات المريضة أو انها تناغيها وتداعبها عند ما تكون هذه الطفلة إلى جوارها في الرواق .. والجميل أن جدته سرعان ما تثق في المعاملة وتترك لها حرية العمل في المطبخ أو غرف وحجرات البيت بدون مراقبة أو عد الطعام كما يقول المثل .. ومع الأيام تكتشف أيهما أفضل في القيام بهذا العمل. فمع التجربة أثبتت مثلا أم سالم حذقها في عمل القهوة والشاي والحليب، حتى إعداد طعام الفطور الذي يتكون عادة من البيض أو ( البلاليط ) شعيرة بالبيض أو حلوى ( الرهش ) أو العسل والجبن ألأصفر.. أما أم حمد فهي متخصصة في الغسيل ونشره في السطوح مع متابعة خدمة ضيفاتها الكثر أو الزائرات اللواتي يتكرر حضورهن وبشكل شبه يومي..
وهناك من هي مسؤولة عن حوش البهائم من أبقار وماعز .. وكانت بعض البهائم فيما مضى من زمن لهم مكانتها وحوشها الخاص وهو يحتل مساحة كبيرة، وفي جزء بعيد عن وسط البيت أو الحجرات والغرف.. كذلك هناك من هي مسؤولة عن النظافة وترتيب مجلس الرجال .. ولاحظ أن الجميع في هذا البيت الكبير يحمل احتراما خاصا لجدته .. ونظرة واحدة من عينيها تشعرهم بالوجل .. وهو ليس ناتجا ً عن الخوف والرهبة وإنما عن الاحترام الكبير لإنسانة طيبة تبادلهم الحب والاحترام .. وهذا سر استمرار العاملات في بيت أم عبد اللطيف لفترة طويلة عكس ما نجده هذه الأيام وفي مختلف المجتمعات لا تمضي شهور على العاملة المنزلية إلا وتجدها إ ما هاربة أو متذمرة أو انها تسبب للأسرة المشكلات.. بعد ساعات من الإعياء نتيجة للإسهال الذي الم بأم عيد وبعد تكرار ترددها أكثر من مرة على الحمام .. بدأت تشعر بتحسن .. وكان عصير الليمون الحساوي المشبع بقطع ( الغند ) الذي أعدته أم حمد ساعد كثيرا على تعويض السوائل التي فقدتها .. عادت العافية إلى أم عيد مع عصر اليوم نفسه.. وانقشعت غمامة الحزن عن عيون سيدات البيت جدته ووالدته وزوجة خاله وحتى العاملات في البيت واللواتي كنّ يعشن لحظات تعب أم عيد .. وكانت جدته تنظر بحنو واهتمام كبيرين إليها، وقد تحركت شفتاها حامدة الله على عودة العافية والصحة لصاحبتها . قامت أم عيد متحاملة على نفسها وبمساعدة والدته ..توضأت وصلت وهي تشكر الله على خيره وما أسبغه عليها من عافية .. أخذ الجميع يبتسمون في سعادة وهم يتابعون أم عيد وهي تصلي صلاة الظهر التي فاتتها خلال استرخائها .. واحدة فقط كانت تشعر بضيق وكان وجهها شاحبًا يتصبب عرقا كأنها خائفة من شيء ما .. أم سالم كانت تتابع من بعيد وفي مجلسها بجوار ( الوجاق ) وموقد النار .كان لسان حالها يتساءل ما هذا التصرف الأهوج الذي أقدمت عليه .. كادت تتسبب في موت أم عيد ../ يتبع غدا
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليق على الخبرالمواطن اليوم اطلع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، في مقر المحافظة اليوم ” […]
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
س | د | ن | ث | أرب | خ | ج |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 |
8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 |
15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 |
22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 |
اترك تعليقاً