تم النشر في الخميس, 1 أغسطس 2013 , 07:07 صباحًا .. في الأقسام : الآراء والصور
عبدالله المغلوث
نتأخر كثيرا في الاهتمام بموهبتنا. نقوم بإرجاء العناية بها وسقايتها غير مدركين أنها كالزهرة إذا أهملناها قليلا ستذبل ونخسرها إلى الأبد. كلما اهتممنا بما نحب مبكرا وبإخلاص كلما ظفرنا بنتيجة عظيمة ستتجاوز تطلعاتنا وطموحاتنا.
شاهدتُ أثناء بطولة ويمبلدون للتنس تقريرا عرضته ”بي بي سي” عن نجوم اللعبة المعاصرين. أدهشني حقا الاهتمام المبكر الذي وجدوه من آبائهم حتى وصلوا لهذه النجومية الساطعة. فالمصنف الأول حاليا في اللعبة، الصربي، نوفاك دوكوفيتش، بدأ لعب التنس على نحو منتظم عندما كان في الرابعة من عمره. كان والده يملك مطعما متواضعا ينفق جل إيراداته على شراء أدوات وملابس رياضية حديثة تساعد ابنه على تطوير موهبته. حرص الأب على إدخال ابنه أفضل ناد رياضي في مدينته رغم تكلفته الباهظة. كان يؤمن أن الاستثمار في الابن أهم من أي استثمار آخر. قال له أحد المدربين: ”لدى ابنك موهبة استثنائية لم أشاهد مثلها قط”. كلمات الإعجاب التي تنهال على ابنه جعلته يقوم بالمستحيل من أجل العناية بموهبته. عندما أكمل نوفاك 12 عاما اقترض الأب مبلغا كبيرا من المال وباع مطعمه وهاجر مع أسرته إلى ألمانيا ليتمتع ابنه بتدريب يليق بموهبته. لم يخذل نوفاك أبيه سردان أبدا. أظهر جدية كبيرة وعملا دؤوبا جعله نجما شابا يثير الإعجاب أينما ذهب. برز نوفاك في وقت يزدحم فيه مشهد التنس بنجوم كبار كالسويسري روجر فيدرر والإسباني رافائيل نادال، لكنه استطاع أن يتفوق عليهما ويتجاوزهما.
تجاوزت أرباح نوفاك من البطولات التي أحرزها 51 مليون دولار أمريكي، كأحد القلائل الذين وصلوا إلى هذا الرقم إثر دعم والديه له وبذلهما الغالي والنفيس من أجله. وقبل ذلك اهتمامهما الكبير بموهبته منذ أن كان طفلا حتى أصبح شابا يحظى بتقدير القريب والبعيد.
تشجيع والد نوفاك له يذكرني بقصة نجاح شبيهة. قصة نجاح ديفيد كارب. هذا الشاب كان متعلقا بالكمبيوتر منذ أن كان في الخامسة. لقد كان ينام على لوحة المفاتيح. حاولت أمه إغراءه بالخروج واللعب في الحديقة المجاورة. لكنه كان يلعب قليلا ويعود إلى الشاشة. بعد أن شعرت بغرام ابنها بالكمبيوتر رأت أن أفضل طريقة هي أن تجد شخصا يساعده على تطوير أدواته فيه. استنجدت بصديقتها معلمة الكمبيوتر وشقيقتها التي تجيد القليل من البرمجة لقضاء وقت مع طفلها بمقابل مادي. كان تفاعل ديفيد أكبر من توقعات الجميع. قاده فضوله وشغفه إلى التفوق عليهما. أبهرهما بأدائه. أحست الأم أن لدى ابنها موهبة فريدة تحتاج إلى من يتبناها ويرعاها. قامت بشراء كل ما يطلبه منها من برامج وأجهزة وفق إمكاناتها. كان زملاؤه يحصلون على مصروف من آبائهم في الثانوية، بينما كان يغدق على والدته المنفصلة عن أبيه بهدايا؛ إثر المواقع التي يقوم بإنشائها أو تطويرها بأجر وهو ما زال مراهقا. لم يكمل ديفيد الثانوية أبدا. انصرف نحو المشاريع التقنية التي التهمت وقته. عمل في عدة شركات ومشاريع. كان آخر هذه المشاريع موقع ”تمبلر” للتدوين. ضخ فيه الكثير من أفكاره حتى حقق نجاحا منقطع النظير. يستضيف الموقع اليوم أكثر من 108 ملايين مدونة. وفي مايو 2013 أعلنت ياهو شرائها ”تمبلر” بنحو مليار دولار أمريكي.
تخيلوا لو انتظر والدي نوفاك وديفيد ابنيهما حتى يتخرجا من الجامعة حتى يرعيا موهبتيهما. قطعا سيبحثان عن موهبتهما ولن يعثرا عليها. إن الموهبة كالطبق الساخن الطازج لن نتمتع بمذاقه إذا تركناه يبرد.
علينا أن نتذكر أن الاستثمار المبكر في أطفالنا هو أنجع استثمار. ترتفع قيمته ولا تتراجع.
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليقاً