*أ.جاسر الجاسر

سواء اتفق المرء مع السياسة السعودية أو اختلف معها، إلا أنه لا يمكن إنكار وتجاوز النبرة الحازمة في الخطاب السعودي منذ نحو ثلاث سنوات فيما يتصل بالقضايا الجوهرية التي تدافع عنها الرياض أو تتبناها.
هذه اللغة الصارمة لم تقف عند حدود الخطاب، بل تجاوزته إلى الفعل والممارسة، لعل أبرزها المساندة المطلقة لتحركات الشعب المصري في 6/30، وأخيراً الاعتذار عن عضوية مجلس الأمن اعتراضاً على عجزه وفشله وازدواجية معاييره.
لم يكن القرار السعودي عاطفياً ومتعجلاً؛ فلقد سبق لولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز أن بعث برسالة تحذيرية قبل نحو ثمانية أشهر تؤكد أن السعودية ضاقت ذرعاً بمجلس الأمن وأدائه، ثم تبعه الأمير سعود الفيصل بتأكيد مماثل، ما يجعل هذا الموقف نتيجة رؤية ناضجة ومستقرة في السياسة السعودية، وأن الاحتمالات المختلفة لهذا القرار الصاعق مطروحة ومتوقعة، وأن القرار هو الشرارة الأولى التي سيتبعها خطوات أخرى تجعل مجلس الأمن قيد المساءلة والمراجعة للمرة الأولى في تاريخه. ومن المؤكد أن الأيام المقبلة ستكشف نوعية ودرجة هذه التحولات ومدى تأثيرها على طبيعة مجلس الأمن ودوره الحالي.
الرياض تواجه اليوم احتمالين: إما تأثيراً متزايداً وقدرة على إحداث فرق مهم وخطير يكسر جداراً أسقط كثيراً من الحقوق، أو عزلة دولية نتيجة تكتل ذوي المصالح في المجلس ضدها ومحاولة تهميش دورها الدولي.
في كلا الاتجاهين لم تتوقف التحركات منذ الإعلان السعودي، إلا أن المساندة والتأييد اللذين استقطبتهما الرياض هما الأعلى صوتاً والأقوى حضوراً نتيجة دعم فرنسا، وهي العضو الدائم في مجلس الأمن، فضلاً عن المساندة التركية والمصرية والعربية عموماً. ولعل هذا الانقسام يكشف جانباً مهماً يفصل بين فريق الأخلاقيين وفريق المنتفعين من المجلس، ويجعلهما في مواجهة حاسمة وغير مسبوقة ستكون لها تبعاتها التاريخية أياً كانت النتيجة.
روسيا ترى أن المملكة تخسر حضورها الدولي بهذا الموقف، غير أن الشواهد تؤكد نشوء تكتل جديد قد يكون موازياً ومواجهاً لمجلس الأمن، يجمع الأطراف التي خذلها المجلس وحرمها من حقوقها، علماً أن المستفيدين من المجلس حتى الآن هما: سوريا وإسرائيل، ولهما تاريخ مشترك في الظلم والاعتداء والانتهاك، أما كل صوت لا يتَّكئ على واشنطن أو موسكو فهو ضائع وظلامه مستديم وحقوقه مهدرة.
لقد جاء الموقف السعودي صارخاً وغاضباً ومحملاً بقيم أخلاقية تناساها المجلس تحت عباءة الفيتو وتوازنات المصالح الكبرى؛ جاء ثورة تنادي بالتوازن والعدالة مسقطاً حجاب الصمت ومستعيناً بقوة الحق وليس حق القوة؛ جاء ليستدعي كل مقاعد الظل إلى النور، وليجعل المسرح العالمي شفافاً وإنسانياً وعادلاً.
مجلس الأمن جدار عازل دارت حوله همسات كثيرة، وتناثرت شكاوى خافتة لم تصل حد المواجهة، إلا أن السعودية وقفت بالأمس أعلاه وأسقطت حجراً منه، فإما أن يتحرك الشاكون والمتضررون ويسقطوا بقية الأحجار أو تبقى الصورة قاتمة والحال ظالمة./ عن الشرق

* رئيس تحرير الشرق