سالم اليامي

رحم الله والدي، وأموات المسلمين. ذلك الرجل النجراني الطيب الذي فارق هذه الدنيا خفيفا، كما جاء إليها خفيفا. انتقل  إلى دار الحق، وهو محل حب واحترام وعطف أهل بيته وسكان قريته وأبناء منطقة. لم يفاخر يوما بما يملك لأنه في الواقع كان يفضل أن تقتصر ممتلكاته على الستر و الجميل والسمعة الحسنة.وعلى الرغم من أنه غفر الله لنا وله، امتلك دكاناً في يوم من الأيام، إلا أنها كانت فترة من الزمن جرب فيها تجارة المال، ثم  عاد إلى عشقه تجارة الحب، والجميل والمعروف بين، ومع الناس. أعود لذكريات أبي رحمه الله و إشراك الناس في خبر الدكان، على إثر حديث انترنتي مع أثنين أصدقاء الدراسة لم تتيح لي  الظروف اللقاء بأحدهم منذ سنين، ولكنه كان يتتبع أخباري  ويعرف الخطوط العامة لحياتي ،وأنا بالمثل أتتبع أخباره، واعرف أنه أصبح رجل له احترامه ومكانته بين الناس. وكنت أنا والصديق الثالث نتحدث عن عناوين وشوارع أسماء محلات وأماكن في بلاد الله الواسعة زرناها بدوافع العمل والدراسة وتعرفنا على بعضها من مجرد شهرتها . فجاء سؤال الزميل الأول عن دكان الوالد، وهل أتذكر أين يقع؟ يعني اسم الحارة والشارع. هذه الأسئلة مفرحة ومستفزة في آن؛ مفرحة لأنها أعادت هذا السيل من الذكريات المرتبط بالآباء  وبالأماكن القريبة من الروح والفؤاد، وهي على المسار الآخر قد تفهم بمعنى اقل جمال . ولأنني قررت ا ن أشرك الناس في هذه الحكاية، فمن المفيد الإشارة إلى أن احدهم ممن لم التقي بهم منذ زمن وهو زميل رابع لنا نحن الثلاثة، سألني قبل فترة من حديثنا هذا عن بعض البضائع التي كانت مشهورة في دكان الوالد غفر الله وهي الحلاوة الطحينية! نفس المعاني بدأت لي ولكن جمال الحقيقة قي داخلي جعل البسمة في ردي وفي فؤادي أوسع وأرحب. لأسباب عميقة ومأثرة  منها، أن الأيام التي قضيتها في ذلك الدكان الصغير كان مدرسة إضافية للمدرسة النظامية التي كنت أغشاها أول النهار وأتعلم فيها الكتابة والقراءة والحساب، في مدرسة الدكان تعلمت دروس إضافية تبني الشخصية وتعلم الاعتماد على النفس وتربي على تحمل المسئولية، كنت ازن للناس قع الجبن وأرطال الحلاوة الطحينية وهنا ازعم أني تعلمت أول دروس الاقتصاد الجزئي قبل أن اجلس على مقاعد الجامعة. وجوه الزبائن الذين يكثرون بعد صلاة المغرب كانت كتب مفتوحة وكل وجه يحمل قصته الخاصة وتفكيره الخاص، وهمومه المغايرة. كان بين من يترددون على دكاننا الصغير من له أسلوب المعلم والموجه والمربي، ولم يكن يتردد البعض أن يقول لي افعل ولا تفعل، وكنت بفضل الله البائع المطيع، الذي ألهمه الله التعامل المناسب مع كل من يقف على عتبة ذلك المكان. كونت عائلة كبيرة بفضل قرب أبي من الناس، وهذا درس مهم وأساسي فكنت ابن  أو أخ أو صديق للزبائن. قبل أن اعرف ماذا تعني مفردة الالتزام، عشت تلك الممارسة على في الواقع ، وكنت حجراً يعرف مكانه “الدكان”، وفي وقت محدد وبشكل يومي. والالتزام ولد الصبر، والصبر فتح أبوب للحياة أرحب و أوسع. تجاوزت حدود الدكان والمكان الذي يقع فيه والناس البسطاء الطيبين المحيطين به.  شكرا لمن تلمس الحب و الحنين و أي  شيء مفيد في هذه السطور، وشكرا لأصدقائي القدامى ومعارفي الذين جددوا فيَّ كل هذا الجمال. منذ أن كنت بائعاً صغيراً في دكان أبي المتواضع حتى أصبحت أكتب للناس عن السياسية والأدب و الحياة.

كاتب