د.سامي الجمعان

لا يمكن وصفها إلا بحفلات الانتحار العلني، يقدمها شباب يافع، يحرصون على توثيق الانتحار بكاميراتهم، وبثها مباشرة، حتى استشرت وتفاقمت، وبلغ تأثيرها فئة صغار السن، أي الذين لم يبلغوا بعد سن المراهقة، وهذا يعني أن مجتمعنا يتهيأ لتفريخ ضحايا جدد، ستحتضنهم مستقبلا حفلات الانتحار العلني تلك!!.نعم: (التفحيط)، عالم انتحار علني، صار من السهل على أطفالنا الأبرياء الاطلاع على أبطاله من مواقع اليوتيوب والكيك، اللذين يبثان يوميا مئات المقاطع لحلبات التفحيط ومشاهد الموت، وقد دفعني فضولي لتتبع هذه المواقع عن قصد وعَمد، بُغية فك رموز مشاهدها المستفزة، الحزينة، حيث لم أجد أيَّ عناءٍ في العثور عليها، فاليوتيوب يضج بها حدّ الجنون، فانتهيت من جولتي الحزينة بثلاث حقائق، عنوانها الرئيس: أننا أمام (شباب ينتحر، يتلاشى، وبكل أسف!!.إننا أمام حالة صحية نفسية خاصة يعيشها المفحطون، فهم غير عاديين، ولا يعني ذلك المعنى الإيجابي للكلمة، بوصفهم بالتفرد أو الإبداع!!، بل نعني أن من يموت بكل هذه البساطة لا يمكن أن يكون في حالته الطبيعية، حيث لا مقارنة بين سباق الراليات والتفحيطالحقيقة الأولى التي قرأتها في عالم المفحطين، أننا أمام شباب لديه طاقة هائلة لم يوجهها التوجيه الصحيح، أو لم يجد من يحتضنها ويستثمرها على النحو المطلوب، وأننا أمام حالة تمرد على الذات، أو ردة فعل انتقامية من شيء ما، قد لا نستطيع تحديده بالضبط، إلا أننا نتلمسه في ملامح هؤلاء الشباب، الذين يعرضون أنفسهم طوعا واختيارا لموت محقق دون أدنى مسؤولية.الحقيقة الثانية التي يمكننا الإقرار بها، وأظنها متماهية مع الأولى، أننا أمام حالة صحية نفسية خاصة يعيشها المفحطون، فهم غير عاديين، ولا يعني ذلك المعنى الإيجابي للكلمة، بوصفهم بالتفرد أو الإبداع!!، بل نعني أن من يموت بكل هذه البساطة لا يمكن أن يكون في حالته الطبيعية، حيث لا مقارنة بين سباق الراليات والتفحيط، فالأول يجري وسط تأمين شامل للسائق والطريق، ووفق قوانين وأنظمة، بينما يمارس المفحط لعبته وسط الموت والمفاجآت واللا أمان، وإني لمتيقن من أن المفحط، حين يبحث عن الموت وسط شارع مكتظ بالسيارات، أو يستعرض قيادته تحت عجلات شاحنة ضخمة، أو التلوي بمركبته الصغيرة في الطريق السريع، فمن سابع المستحيلات أن يكون في كامل وعيه، أو قدرته على تقييم خطورة الموقف!!.ثالثا، أقرأ في عالم المفحطين انقسامه إلى فئات ثلاث، فئة المفحطين أو من يقودون المركبة، وفئة المرافقين، وهم من يركبون معه لتشجيعه ودعمه، ثم فئة الجمهور المستمتع بهذه الحفلة المميتة، والفئات الثلاث كما بدت في مقاطع التفحيط المصورة تحمل الفكر ذاته، استسهال الموت والتعاطي معه ببلادة وفتور، فكيف يقبل انسان عاقل أن يحشر جسده في سيارة تذهب للموت بإرادة سائقها، أو يقبل اخراج جسده من نافذة سيارة تتطوح في الهواء، فقط بهدف تشجيع صديقه المفحط، أما فئة جوقة المشجعين فحدث ولا حرج، لأنهم الضحايا الأكثر في حفلة الموت، كونهم حولوا المشاهدة إلى استعراض أيضا، بعضهم يقف أمام السيارة المسرعة، وبعضهم يعبر الطريق أمام سيارة مضطربة متلوية، وآخر ينبطح تحت العجلات، وهذا كله من باب الاستعراض الأحمق الذي ينتهي بجسد يتطاير، وايادٍ تبتر، ووجوه تتشوه، وجثث هامدة، وصور لا يمكن وصفها ولا تبرير أسبابها، إلا أننا في حفلة انتحار علني وجماعي، عنوانها (التفحيط).عن اليوم