تم النشر في الخميس, 4 يوليو 2019 , 06:53 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات

الحلقة الثالثة والعشرون من رواية ( عين الحريم ) للاستاذ أحمد المغلوث

الخلقة الثالثة والعشرون ،

أصوات الدفوف

سارا معا وعلى بعد خطوات من الاستراحة .. جلسا خلف شجرة نخيل كانت وحيدة يبدو أنها نبتت من سنوات عديدة من نواة تمر رماها احدهم.. ومثل هذه  الأشجار موجودة بكثرة في أماكن متعددة من مدينته .. أليست هي مدينة النخيل ..أو واحة النخيل كما عرفت منذ بدأت الحياة.. نعم أن هذه الواحة قديمة قدم التاريخ .. فالكنعانيون كانوا من أوائل من سكن هذه الواحة بعد انحسار مياه الخليج كما جاء في كتب المؤرخون وذلك قبل الميلاد ( العصر الحجري ) . وهكذا قرأ في كتب التاريخ .. ليس المجال هنا أن يفكر في تاريخ مدينته.. أن تفكيره الآن منصب في انتظار المشاهدة المرتقبة.. المشاهدة الحلم.. ؟!!

     وبعد برهة سمعا صوت الدفوف يأتيهم من الاستراحة..ابتسما معا وقال له صاحبه .. هذا هو الوقت المناسب للدخول من جديد ..حملا الفاكهة واتجها سعيدين إلى باب الاستراحة .. نقر صاحبه الباب فتحت إحدى النساء لهما .. دخلا إلى رواق الاستراحة .. كان المشهد غير عادي .. العروس في صدر الرواق بكامل زينتها لم تكن ذات جمال كبير لكنها تملك ابتسامة تشرح القلب وترتاح لها نفسك  وإضافة إلى أنها كانت مملوحة فيها شيء ترتاح له . ابتسامتها . ..

 النساء والفتيات يحطنها من الجانبين ومجموعة أخرى أمامها على شكل حدوة حصان  ووسط الحدوة كانت ترقص امرأة وفتاة كاعب بارزة  الصدر كان الرقص على ايقعات الدفوف  وكلمات أغاني شعبية يذكر منها أغنية ( يا عين ماليه ) تغنيها سيدة خمسينية صوتها كان عذبا وعلى صدرها وفي يديها كميات من الذهب .. كانت السعادة  بادية على وجوه النساء والفتيات .. تورد وجه الفتاة الكاعب حياء وهو ينظر إليها وهي تتثنى بخفة ورشاقة وتهز جسدها وتميل برقبتها ذات اليمين و ذات الشمال مع وضع كفها المنقوش بالحنا على إحدى عينيها بالتناوب مع الكف والعين الأخرى.. ونفس الشيء تفعله المرأة  الأخرى .. إلا أن الفتاة وكانت رشيقة وملفوفة القوام..استطاعت أن تأسره .. فابتسم لها ابتسامة من القلب..لحظتها قرصه صاحبه  قرصة قوية .. ولولا الحياء لصرخ من الألم لكن ( يا غريب كن أديب ).. خطرت في ذهنه هذه العبارة وهو لا يستطيع أن يمنع عينيه عن التنقل بين السيدات والفتيات.. نسبة كبيرة منهم كن عاديات..  الملاحظ أن الجمال كان موجودا بكثرة مع بعض الوجوه العادية الملامح..  ولاحظ أن فساتينهن كانت عادية جدا .. بل كانت متواضعة وهي اقل مستوى في التصميم وحتى الأقمشة  من السيدات والفتيات اللواتي يتاح له بالصدفة رؤيتهن في بعض بيوت حارته ..!!

 

الفتاة الراقصة

     كانت الفتاة الراقصة الكاعب تواصل رقصها الهادئ والمتزن ومع حركتها وتمايلها يتحرك صدرها فتتحرك فيه أشياء .. لم يعرفها إلا فيما بعد . ووجد لذة  كبيرة وهو يتابعها .. ملامحها الحلوة ووجهها المشرق كابتسامتها .. وضفيرتي شعرها الأسود وهما يتحركان تحت ثوب( النشل ) الأحمر المطرز بالبرسيم والترتر ..ويديها وهما ترتفعان وتنخفضان في حركة موسيقية راقصة وصامتة ..مره قرأ أن رقص اليدين الصامت والذي تجيده فتيات شرق آسيا .. الهند الصين .. اندونيسيا .. اليابان  كوريا الخ ..أقوى تأثيرا من الرقص الجسدي .. لذلك كانت الراقصة ( ريتا هاري ) والتي تعلمت الرقص الياباني وأبدعت في ملاهي باريس ووصلت إلى قمة الشهرة والمجد اعتمدت على رقص اليدين ..! نعم كانت حركات يديها المدروسة دراسة تلقائية وعفوية والتي تعلمتها كعادة الفتيات في مدينته من خلال المشاهدة خلال حضورهن المناسبات النسائية والعائلية.. وعلى هذا الطريق سارت الفتيات وكذلك السيدات .. توقف الغناء والرقص بإشارة من أم العروس   تطلب من الجميع أن يتناولن الفاكهة مع عصير الليمون.. بعدما مدت الصحون الكبيرة التي وضعت فيها الفاكهة والتي كانت تشتمل على البطيخ والرطب والتين.. إضافة إلى الأناناس والخوخ والمشمش وكانت فاكهة معلبة..  شعر بخجل شديد عندما قالت له أم العروس ما ندري كيف نجازيكم على هديتكم صحن الغداء والفاكهة.. كثر الله خيركم .. يا ليت عندي وقت يا ولدي كنت رحت أسلم على والدتك وأشكرها على هديتها اللي جات في وقتها ..!! التي جاءت في وقتها  ..!!

     تحجرت عيناه وهو يسمع هذه الرغبة من والدة صاحبه .. وحمد الله في سره أنه لا يوجد لديها وقت للذهاب لاستراحتهم.. فسوف ينكشف المستور.. ويروح في داهية ..!! لكنه أطمئن كثيرا عندما قال ابنها  .. تأخرتي كثير يايمه .. والدته عادت مع الحريم إلى ألديرة قبل صلاة العصر.. الموجودين بس الرجال.. !! نعم كما قال أبنك الوالدة عادت إلى ألديره.. وأضاف: ما عملنا إلا الواجب .. !!  وأجال عينيه في المكان وبعد ما انتهوا من تناول الفاكهة.. وقام بعض النساء بتسخين الدفوف على النار استعدادا لبدأ جولة جديدة أخرى من الغناء والرقص.. وقامت فتاتان .. بالرقص، لكن بطريقة أخرى تختلف عن الرقصة السابقة حيث كانت كل فتاة تمسك بيديها الأطراف السفلية من ( ثوب النشل ) وتتمايل على إيقاع الدفوف بحركات موزونة ولكنها أسرع كثيرا من حركات الرقص السابق إضافة إلى  رقصها برأسها وشعرها مع وضع إحدى يديها على صدرها بالتناوب مع تحريكها شعرها يمينا ويسارا .. وواصلت النساء والفتيات الغناء وأفلحت الفتيات بإقناع

( العروس ) بالرقص.. فقامت بعد تردد ورقصت ولكنها لم تكن راقصة مجيدة كالفتاة الكاعب الجميلة ولا حتى السيدات والفتيات الأخريات .. المهم أنها رقصت حسب ما تعرفه.. وتعالت الزغاريد وتداخلت الأصوات .. وارتفعت الضحكات عندما قامت أم العروس حاملة ( قفة ) ممتلئة بالمكسرات والحلويات الملونة  بتفريقها على رأس أبنتها .. وظهرت نساء كن داخل الغرفة الخارجية للاستراحة  يحملن مجموعة من ( مرشات ) العطور والبخور ورحن يتجولن بين النساء والفتيات .. بتبخيرهن وتعطيرهن ورشهن  بماء الورد من خلال المرشات الزجاجية  الجميلة الملونة المزينة برسوم  الطيور والزهور .. وأصداء الضحكات تكاد تنفلت إلى خارج الاستراحة لتعانق قامات غابة النخيل في عين أم سبعة..وتحلقت بقية الفتيات حول العروس في محاولة التقاط المكسرات والحلويات والعثور على جنيه الذهب الذي رمته أم العروس ضمن  المكسرات  والحلويات ..!!

 

مزاح البنات

  كل خطوة من خطواته داخل حمام النساء كانت محسوبة .. شعور تشوبه الدهشة وهو ينظر إلى الفتيات الجميلات و قليلات الجمال.. وهن يقمن بغسيل الملابس داخل غرفة الحمام ( المسبح ) والذي يجري فيه نهر المياه وفيه تقوم بعض الفتيات بالمزاح مع بعضهن البعض.. فهذه تصرخ لان صاحبتها دفعتها في الماء وانتفخت ملابسها فوق سطحه ونكشف جزء من جسمها أو من خلال نثر المياه ورش بعضهنا لبعض خصوصا بعد أن فرغن من الاستحمام ولبسن ملابسهن الجديدة فإذا بها تبتل من جديد. ضحكات هنا ورقص هناك ..والماء يفيض داخل المجرى عن المستوى الطبيعي لجريانه وليرتفع على الجانبين في مد وجزر ساحبا معه ملابسهن التي سوف يلبسنها بعد الاستحمام .. ليسارعن إلى انتشالها من المياه  والتي كانت في ذلك الوقت ..قوية وحارة .. تتدفق مباشرة من أعماق العين الفوارة .. !! يدور بعينيه باحثا عن صاحبه الذي تركه واقفا في غرفة الحمام .. في انتظار خروج الفتيات والسباحة بعدهم .. فأين هو ؟ معقولة يذهب ويتركه لوحده.. أتراه خرج من الاستراحة.. ألشمس على وشك أن تغيب لقد تأخر عن  أصحابه .. ماذا يقول لهم .. هل يخبرهم أنه فضل متابعة رقص النساء والفتيات عن رقصة العرضة وحتى الجلوس معقريبهم العريس .. هل يخبرهم أنه اليوم و لأول مرة يكتشف رقص النساء والفتيات بصورة واضحة وإيقاعاته البسيطة وحركات الراقصات في حياء وحشمة.. لقد شاهد في مناسبات سابقة وهو طفل صغير جدا مثل هذا الرقص في مناسبات أعياد وأفراح لكنه لم يكن يعي جيدا كيف ترقص الفتيات بهذه الصورة الجميلة والرائعة.. حركات الأيدي والأذرع والأجسام والأقدام..وكيف تختلف الرقصات النسائية من رقصة إلى أخرى .. فهذه رقصة   (الخماري )  وتلك ( الشعر المفتول  ) والتي تسمى في الإمارات بالنعاشات .. !! ورقصات أخرى.

 

 

نقطة ضعف

    هل يقول لهم أنه استمتع كثيرا جدا وهو يرى الفتيات الصغيرات يمارسن ألعابهن الشعبية المحببة في ساحة الاستراحة  وهن يرتدين بخانقهن المطرزة بخيوط الذهب .. لعبة ألحجله.. ولعبة أللقصة..وحتى  لعبة أنا الذيب باكلكم ..لقد شاهد في حمام النساء وفي يوم واحد ما لم يشاهده طوال السنوات الماضية.. الفتيات الصغيرات بكامل زينتهن وهن يتراكضن في سعادة وحبور يرددن أغانيهن الشعبية الطفولية مثل ( أم الغيث غيثينا   .. وبلي أبشيت راعينا  ) هل يقول لهم أنه ضعيف أمام أي شيء يتعلق بالتراث والتاريخ والمعرفة ..إنها رغبة دفينة داخله.. تسيطر عليه .. لقد دفعته هذه الرغبة الافيونية إلى الكذب على أسرته والحصول على صحن كبير من اللحم والأرز وتقديمه كتذكرة مرور للدخول لهذه الاستراحة .. ومشاهدة رقص النساء والفتيات .. أنها الرغبة وحب الاستطلاع.. نقطة ضعفه وهي التي قادته الى السفر الى دول عديدة سائحا مرة وفي مهمات عمل مرة أخرى ..يعرف جيدا أنه مصاب بهذه الرغبة التي تحكمت فيه منذ بدا القراءة والاطلاع ..وبالتالي فتحت أمامه نافذة كبيرة وواسعة جعلته دائما يتطلع من خلالها الى الأفق .. والسفر عبره للبحث عن المعرفة مهما تسبب له هذا البحث أو الاطلاع .. أو الاستكشاف من متاعب ..وآلام

وفي أثناء تفكيره ..إذا بصاحبه يضع يده على كتفه .. وهو يقول يبدو أنني تأخرت عليك.. لقد ذهبت لإحضار ( أتريك  ).. فربما   تأخروا الحريم والوقت بدأ يظلم.. !!

لم يهتم .. لم يعلق .. فقط قال له .. شكرا  ..أريد الآن أن أعود.. لقد تأخرت ..!! أجل أنه يريد أن يعود فالذي أراده حصل عليه الآن.. شاهد ما شاهد   وسجلت ذاكرته عشرات الصور والملاحظات .. وعليه الآن يعود ليسجلها في دفتره الصغير وحتى لا يفقد معالمها.. وحتى يستطيع  أيضا  رسم بعض الخطوط عنها ..ومن ثم تحويلها الى لوحات  وهذا مافعله بعد ذلك خلال تجربته الابداعية  .. جذب يد صاحبه وخرجا من باحة الاستراحة .. بعدما سلم صاحبه الاتريك لإحدى النساء ..

مازالت الرقصات الشعبية  على ضفاف أنهر عين أم سبعة مستمرة..

مع أن هناك من بدأ يستعد في العودة إلى المدينة .. هاهم مجموعة من الرجال والشباب يرتدون ثيابهم بعد أن قضوا وقتا طيبا في السباحة والاستحمام في مياه العين .. وهناك في الجانب الآخر من ضفة  نهر العين الكبير جموعا محتشدة تسير خلف احد العرسان الذي أمتطى حصانا وفي وسطه خنجر وبيده سيفا كأنه أحد الفرسان الأبطال .. نعم أنه فارس مغوار سوف يمتطى فرسته الليلة وسوف يضع سيفه في غمده .. من مثله من قده ..هاهم جماعته يحتفون به احتفالا بما سوف يقوم به من فتح عظيم  وهاهم  يدعون  له  ويهللون  في سعادة واغتباط .. مرددين  الأغاني  والأهازيج الشعبية بصحبة ضاربي الطبول والدفوف .. !!

يسمع صوت احد ابنا عموته  الكبار ..يلتفت إليه .. الغضب يتطاير من عينيه .. وينك فيه ..   ؟  تعبنا وإحنا  وأصحابك  نبحث عنك .. ؟!لولا الطباخ اخبرنا أنه شاهدك مع صاحبك   ذاهبين لاستراحة الحريم لكنا تصورنا أنه حدث لك شيء أخر.. إلا تعلم يا ولدي أن المكان يغص بناس غرباء.. فيهم الطيب والخبيث .. أليس من المفروض أن تخبرنا إلى أين ذهبت .. أقلقتنا  عليك .. لعنات عليك.. قالها وأكملها ( بكف ) صفعة قويه  سمع صداه … المكان والزمان.. ولولا إيقاعات الطبول والدفوف لسمع الناس .. صوت الآهة التي خرجت منه .. لم يكتفي أبن عمه .. بضربه .. إنما أمسك بيده..وأخذه معه حيث تجمع بعض من أفراد أسرته وأصحابه وهم في حيرة من أمرهم .. عند ما وقف أمامهم تبددت الحيرة وذهب القلق.. ..!! يتبع غدا 

المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها

اترك تعليق على الخبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.

أهم الأخبار

سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة

المواطن اليوم  استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، بمكتب سموّه بمقر المحافظة ، […]

  • نوفمبر 2024
    س د ن ث أرب خ ج
     1
    2345678
    9101112131415
    16171819202122
    23242526272829
    30  
  • Flag Counter
  • Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com