تم النشر في الثلاثاء, 2 يوليو 2019 , 12:30 صباحًا .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
الحلقة الحادية والعشرون
السحارة والكندية
وتراكض أصحابه عند باب بيت يوسف لاستقباله وشقيقه .. حملوا صينية الأرز من أم فرج .. فرك رأسه بعدما نزع طاقيته كأنه يمسده .. وراح يتطلع لبقية أصحابه الذين كانوا يستعدون مع شقيقه في تجهيز سفرة الطعام العامرة بأنواع مختلفة من الطبخات التي اشتهرت بها مدينته.. جريش .. وهريس .. وصيادية سمك .. والدجاج المحشي ..والأرز المفلفل ..كل واحد منهم احضر طبخة من بيته ..كل هذه الوليمة الكبيرة وراء وجودها يوسف ومفاجأته وأفكاره.. !!دعاهم يوسف للوليمة المشتركة ..وتقدموا مثل موكب تنتشر فيه الفوضى حول أطباق الطعام المنوع .. وراح كل واحد منهم يغسل يديه ويوسف يصب الماء على أيديهم من أبريق معدني مزخرف برسوم صينية محفورة عليه ..وماء الغسيل يتجمع في ( طشت ) معدني كبير .. مسح الجميع أيديهم في فوطة كان يحملها يوسف على كتفه.. كأنه واحد من صبية مقاهي بغداد أو القاهرة أو دمشق كما شاهد ذلك في صور قديمة في أحدى المجلات ..!!
بدأت الأصابع الشابة تتسابق لأطباق الطعام .. ومع كل لقمة راح بعضهم يشكر يوسف على حسن أفكاره.. فهذا مل طعام والدته المتكرر وذاك يقول في حياء أموت في الدجاج المحشي .. وآخر يؤكد أنه كان يحلم بطبق مفلق بالربيان .. ورابع يطلب منهم أن تتكرر فكرة ( الحطوطة ) كل شهر علي الأقل ..بشرط أن يتغير المكان .. بل أتفق الجميع على أن يكون اللقاء القادم في عين أم سبعه.. بعدما تناولوا الطعام اللذيذ والمنوع.. قال لهم يوسف الآن سوف ننتقل إلى ( المربعه ) وهي من اكبر غرف بيتهم .. فلا أحد في البيت والده ووالدته وشقيقاته ذهبوا إلى الرياض في زيارة لخالته المتزوجة والمقيمة هناك.. وغرفة المربعة مناسبة للمفاجأة .. وأضاف بس على شرط .. صار بينا عيش وملح .. ويجب أن تعاهدوني أنكم تتكتمون على ما سوف تشاهدون ولاتخبرون أحد لا قريب ولا بعيد.. لأنه وكما يقول أجدادنا العرب.. كل شيء تجاوز الاثنين شاع .. وكل ما لم يكتب في القرطاس ضاع .. !! عاهدوه على كتمان ما سوف يعرفونه من مفاجأة .. اصطحبهم إلى داخل البيت ومن ثم إلى غرفة (المربعة ) وبعدها إلى غرفة ( ألكندية ) والتي كانت عبارة عن غرفة صغيرة داخل ( المربعه) يصعد إليها على عدة درجات طينية .. كان الظلام شديدا .. بدد جزء منه نور فانوس كان يحمله يوسف .. دخلوا في الظلام .. ودخل فيهم .. وبخوف انتهكوا طمأنينة ( الكندية ) وهتكوا عرضها واتحدوا مع أجواءها الغامضة .. ليست كل البيوت توجد فيها غرف داخل غرف .. فقط بيوت الأثرياء والميسورين تتوفر فيها مثل هذه الغرف السرية والداخلية وبعضها وفي أرضية ( الكندية ) توجد غرفة أرضية سرية حتى أهل البيت لا يعرفون عنها شيئا اللهم فقط الزوج والزوجة.. !!
كانت رائحة( الكندية ) مشبعة برائحة بخور قديم .. وعطور تراثية غريبة
بعضهم أحس بنوع من الرهبة .. وهو يتطلع لوجوه أصحابه الوجلة وعلامات الدهشة تهتز أمامهم مثل اهتزازات أضواء الفانوس الصغير..
جلس الجميع وهم ينتظرون في شوق مفاجأة صاحبهم يوسف ..!! ضوء الفانوس الخافت وانعكاساته على جدران ( الكندية ) الطينية يشكل لونا بنيا محروقا يذكرك بلوحات ( رامبرانت ) ولعبته الرائعة في استخدامات الظل والنور .. تبقى الوجوه في أماكنها .. يداعبها القلق والشوق وانتظار المجهول.. والمفاجأة الحلم والحقيقة .. العيون ملأى بالرجاء .. أن يسرع يوسف في كشف ما يخبئه لهم .. صراع النفس وتطلعاتها في عالم المجهول
يسيطران على الجميع .. اللحظات تمر بطيئة .. وإذا بيوسف يتجه إلى أحدى زوايا ( الكندية) ويرفع جزء من سجادة عتيقة وبعدها بابا خشبيا صغيرا ويطلب من أحدهم أ ن يمسك عنه الفانوس ويأت خلفه .. بسرعة قفز خلفه ومسك الفانوس وقلبه يخفق بشده وهما ينزلان إلى سرداب تحت الغرفة الصغيرة.. كأنه الآن من أبطال سندباد وعلاء الدين وهو يتسلل في قصصه داخل أحد السراديب الغامضة.. نظر إلى يوسف في فضول ويوسف يمد يديه حاملا صندوقا خشبيا أسود اللون في زواياه قطع معدنية فضية اللون انعكس عليها ضوء الفانوس وبدأت لامعة نوعا ما.. التفت اليه يوسف قائلا وهو يشعر بالفخر والاعتزاز هذه هي المفاجأة .. صعدا يوسف الدرج الطيني وهو خلفه ينير له الطريق .. وضع يوسف الصندوق في منتصف الغرفة الصغيرة .. وهو يردد هذه هي المفاجأة .. وسط دهشة عيون أصحابه التي تبعها صراخهم بل أن احدهم كاد يفقد حياته لأنه قفز عاليا وإذا برأسه يرتطم بسقف ( الكندية ) والذي كان سقفها منخفضا جدا فسقط يصرخ من الألم وأصحابه يصرخون دهشة من المفاجأة الغير متوقعة .. لقد سمع بعضهم عن هذا الصندوق الأسود السحري ( السحارة) الفونوغراف وقليل منهم من شاهده في بعض البيوت.. لكنهم لم يتاح لهم فرصة الاجتماع حوله بعيدا عن عيون الآباء .. فتح يوسف الصندوق وقام بإدارة ( الهندل ) وتحريك اليد التي تحمل الإبرة بعدما وضعها على اسطوانة الغار السوداء والتي كانت موجودة في غطاء الصندوق من الداخل …. بعد محاولات متكررة في أدارة ( الهندل ) انبعث الصوت معرفا في البداية بشركة بيضا فون التي قامت بتسجيل الأغنية وكانت للمطرب العراقي الشهير حضيري أبو عزيز واسطوانات أخرى ( لسالم فوني ) أم كلثوم ومنيرة المهدية .. وسيد درويش ومحمد عبد الوهاب ومحمد فارس .. وانقضى الوقت على الصبية وهم يستمعون للعديد من المطربين المشهورين في ذلك الوقت والتي تم تسجيل أغانيهم على اسطوانات في القاهرة أو بغداد أو الهند.وكان ختامها مسك كما يقال فلقد استمعوا جميعا إلى أسطوانة للقرآن الكريم للمقرئ المعجزة الشيخ محمد رفعت . هذا الشيخ الذي امتاز بصوت نادر ومؤثر كان صوتا مكتمل الروعة والجلال والجمال تنطلق مساحاته الواسعة لتأخذك مع روحانية ترتيله وتسافر بك بعيدا بعيدا حيث القدسية والسمو والشعور بعظمة الخالق عز وجل الذي جعل في آياته سحرا مبينا وتأثيرا كبيرا لقد كانت لحظات سماعه لترتيل هذا الشيخ للقرآن لحظات ولادة ومحبة للاستماع لتسجيلاته فيما بعد .. ومع أن الشيخ رفعت رحمه الله كان صاحب صوتا خافتا فأنه أمتاز بدرجاته الموسيقية المتميزة كما كتب عنه المؤرخون والمهتمون بالتلاوة القرآنية العظيمة خاصة ما كتبه عنه ( كمال ألنجمي ) في الهلال .. كانت لحظات حلوة وممتعة قضوها وهم يستمعون للاغاني وبعدها القرآن الكريم التي سرقت وقتهم .. كانت متعة الاستماع واضحة في عيونهم وعلى ملامحهم مع شيء من الخوف رغم أنهم قد احكموا جميع المنافذ والأبواب والنوافذ وذلك من خلال وضع بعض الأقمشة في الفتحات حتى لا يسمع ( السحارة ) احد.. خاصة وسماع الاسطوانات في ذلك الوقت كان ممنوعا .. ويا ويله من وجد عنده مثل هذا الجهاز .. فسوف يحملها على رأسه ويضرب في السوق ليكون عبرة لمن يعتبر.. لذلك كان عشاق الفونغراف يختبئون مع أجهزتهم في أماكن بعيدة عن أذان وعيون الناس ..؟! بل أن بعضهم يخفيه داخل أماكن سرية في بيوتهم أو بساتينهم..!! يتبع غدا
طرق التهريب
خرجوا جميعا من بيت يوسف مع سماعهم أذان المغرب .. كانوا منتشين بمتعة السماع والاهم متعة المفاجأة.. فلم يكن في ذلك الوقت أحد يجرؤ ويقول للآخرين أن لديه ( سحارة ) ربما يوجد الكثير منها في بيوت الميسورين والقادرين على شراء هذا الجهاز .. لكنها أعداد محدودة وجاءت إلى المدينة عن طريق خبراء التهريب.. الذين يتفننون في طرق تهريبها بعيدا عن أعين رجال الجمارك في ميناء العقير .. أو من بعد فرضه الخبرهناك من يتهم بعض الصيادين الذين لهم علاقة ببعض الصيادين في الدول المجاورة حيث يتفقون على تسليم ما لديهم من مهربات وسط البحر ليتسلموها هؤلاء خفية.. ويضعونها في ( المراحل ) تحت كميات من الأسماك.. هكذا سمع احدهم في مجلس خاله وهو يتحدث عن فنون التهريب السائدة في ذلك الوقت.!! ومع أن عيون رجال الأمن والجمارك كانت واعية بعيدا عن أجهزة اليوم الحديثة والتي تستخدم التقنيات المتطورة والتي تكشف كما يقولون المستور .. فأن عيونهم في الماضي كانت مباركة ولها سحرها المبين في اكتشاف المهربين مع إمكاناتهم البسيطة .. !!لكن المفاجأة كانت عادية .. هكذا قال لشقيقه وهما عائدين لبيتهم بعدما أديا الصلاة جماعة .. بالنسبة لنا قد تكون كذلك لان زوج شقيقتنا لديه مثلها ويخفيها في ( الجصة ) ا لغرفة الصغيرة الخاصة بحفظ التمر .. لقد شاهدته ليلة يخرجها بحذر من تحت كمية من التمور وهي ملفوفة بعناية داخل خيشه ..أما بالنسبة لبعض أصحابنا فحقيقة قد تكون بالنسبة لهم مفاجأة وربما هذه أول مرة يشاهدونها ويسمعون أسطواناتها .. وعلى العموم لقد استمتعنا بسماع الأغاني ..؟! والاهم القرآن الكريم بصوت الشيخ رفعت..!!/ يتيع غدا
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليق على الخبرالمواطن اليوم اطلع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، في مقر المحافظة اليوم ” […]
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
س | د | ن | ث | أرب | خ | ج |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 |
8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 |
15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 |
22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 |
اترك تعليقاً