تم النشر في الخميس, 27 يونيو 2019 , 10:33 مساءً .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
صوره تعبيريه ارشيفيه
الحلقة السابعة عشرة من رواية ( عين الحريم ) /
سعادة كبيره
ما حدث هذا الصباح .. أمرا ًغير طبيعي فيه شيئا من إرادة الله .. هكذا قالها في نفسه وهو يشاهدها من بعيد .. إنها الفتاة العربية أمال .. تتمشى على رمال الشاطىء ..كصباح يوم أمس .. أحس بشعور لذيذ وسعادة كبيرة أن يراها من جديد.. كان الشاطىء خاليا تقريبا .. فلا أحد غيرهما .. المسافة بينهما كانت كبيرة.. يحتاج وقتا للوصول إليها .. المهم أنه يشاهدها وهي تسير في دلال على رمال أكثر دلالا .. رمال مبللة بالمياه .. كما هي حال عواطفه المبللة بمشاعره.. المعجبة .. تدفقت في داخله حيوية اللهفة والمشاعر وأخذ يصفع بقدمه مياه البحر التي وصلت إليه في موجة هادئة دافعة إليه بزبد ها وساحبة مع عودتها شيئا من رمال الشاطىء . راح يلاحقها بنظراته المشتاقة .. ويتمنى لو كان موجة من أمواج هذا البحر العميق.. فسوف يندفع إليها في حب ويسحبها نحوه في رفق وشوق ويحتضنها.. يسافر معها عبر المدى.. في رحلة طويلة غنية بالعواطف الصادقة والحنونة .. في عروقه تسري نشوة لذيذة وبهيجة لم يألفها قبل اليوم .. بقى بعض خطوات ويصل إليها .. كلما اقترب منها بدأت أكثر وضوحا وجمالا مثل هذه الشمس المشرقة الآن .. امتزج صباحهم مع مياه البحر .. اتحدا معا .. وتلاطمت أمواجهما .. نظراتهما.. وابتساماتهما.. قالت له: أهلين ..ثم قالت بفرنسية عذبة ( بن جور ) رد عليها شاكرا وضحكا معا في روعة هذه المصادفة .. نظرت إلى ما يحمله من سمك وقالت لولا الذي في يدك لقلت أن وراء هذا اللقاء .. تحضيرا مدروسا فيه شيئا من المتابعة والمراقبة .. أجابها أتصدقين يا أمال أنها إرادة الله .. فأصحابي قرروا أن أقوم بمهمة شراء السمك .. أجابته باسمة .. هذا لا شك فيه .. حتى أنني لم أقرر الخروج للتمشية .. إلا أن شعورا غريبا أجهله كان وراء خروجي في هذا الوقت رغم حرارة الجو والوقت غير مناسب للسير على البحر في شهر أغسطس …. شكرا لله.. قالها باسما ..بقيا واقفين ينظران لبعضهما وان كانت نظراتها بدأت تتكسر.. كما تتكسر أمواج البحر على صخور مباني الميناء محدثة صوتا تتأوه فيه الأمواج من فرط قوة اصطدامها على هذه الصخور الصلدة القوية.. فتتناثر ذرات مياه الأمواج حاملة تأوهاتها إلى المدى .. فقال: ممكن تسلمين على الوالد وتقدمين له هذه الكمية من السمك .. الكمية كما ترين كبيرة جدا .. وأنا اشتريتها لنا ولكم .. فقالت وابتسامة جذابة وبفرنسية ( مرسيه ) لا مانع يا … بس أفضل لو قمت أنت شخصيا بهذه المهمة .. قال لها: معك حق .. وأضاف على العموم .. أيه رأيك بعد صلاة المغرب نلتقي هنا ..فضحكت .. وتطلع إليها .. وتحولت ضحكتها إلى ابتسامة ضاعفت من إشراقة وجهها .. في المساء لا أستطيع غدا صباحا في مثل هذا ا لوقت.. أذا أراد الله .. أجابها سعيدا: كما تريدين ..!! وأدارت ظهرها وتبعثر شعرها الغجري على كتفيها وراحت تسير وهي تتلفت خلفها ناظرة إليه..أحس أن قلبه يخفق بشدة ..على غير عادته تصور أن دقاته مختلفة هذه المرة .. أسرع الخطى إلى مخيمهم الصغير.. وهو يفكر في دقات قلبه التي باتت سريعة على غير العادة .. هل لها علاقة لما يشعر به من سعادة .. لقاء هذه الفتاة الحورية التي صادفها على الشاطىء .. نعم انها حورية البحر( كحوية كوبنهاغن ) الدنماركية الشهيرة .. لكنها حورية من لحم ودم .. حورية حقيقية لا أروع ولا أجمل منها .. أنها تستحق أن يقول فيها الشعراء شعرا كما قال الشاعر المبدع إبراهيم ناجي في جميلته :
قالت تعال قلت لبيك
هيهات أعصي أمر عينيك
أنا يا حبيبة طائر الأيك
لم لا أغني في ذراعيك
نعم انها تستحق أكثر وأكثر .. لقد سعد اليوم بمشاهدتها بل ومحادثتها.. لقد نجح وهذا من فضل الله أن يوجد بينهم نوعا من المعرفة.. كانت عيناه سعيدتان.. من يطالعهما يشاهد هذا النوع من السعادة والفرح اللذان يشرقان من عيون البعض من الناس لحظة الفرح أو السعادة .. فالعيون كما يعلم الجميع تتحدث عما بداخلها .. ومقولة ( وريني عيونك ) يرددها الناس خلال رغبتهم اكتشاف سر ما لدي احدهم..ومن هنا فالعيون تكشف العديد من الأسرار والخفايا للناس ..!!
أسرار العيون
عيونك فيها شيء.. هكذا قال له أبن عمه .. وهو يحتسي كوب الحليب .. رد عليه وهو يضع كمية من السمك في احد الصحون الكبيرة .. بالعكس عيوني مجهدة من الشمس .. كان يتكلم بلهجة جدية فعرف الجميع أنه يعني ما يقول.. ثم خرج من الخيمة .. وتناول كيس أبيض وضع فيه كمية من السمك.. وأتجه إلى خيمة جيرانهم .. كان تصرفه يبعث على الحيرة في نفوس أصحابه.. أنهم يحاولون اكتشاف هذه السعادة التي غمرته وجعلته أكثر حيوية وأكثر حبورا وسعادة.. علامات واضحة في عينيه هكذا قال الجميع.. والاهم انه انطلق بكمية من السمك لجيرانهم بدون أن يستشيرهم.. أليسوا شركاء معه في هذه الرحلة ..أليس من الواجب أن يعلمهم بخططه وأفكاره .. تساءل الجميع..وكان هذا يحيرهم فما ذا وراء تصرفه الغريب ..!!كانت أمال تساعد شقيقها في إعداد طعام الفطور .. ووالدتها مشغولة في غسيل الأكواب وأواني الطبخ.. عندما وقف أمامهم .. بعد أن سلم عليهم جميعا وقفوا جميعا .. مرحبين به .. هل جربتم سمك العقير الطازج..؟!
ابتسمت والد ة آمال هكذا تصورها قائلة :
لم أجرب هذا السمك .. هل هو يختلف عن بقية الأسماك ؟
قال بفرح : نعم يختلف أنظري قطرات ماء البحر تبلله ..!! أنه طازج.. صيد هذا الصباح .. لقد أحببت أن تشاركوننا .. الاستمتاع بطعمه .. قال ذلك وهو يناوله لشقيق آمال الذي .. شكره مرة أخرى وهو يقول له .. لقد أخجلتمونا بكرمكم ..!! أجابه أبدا الرسول (عليه الصلاة والسلام ) أوصى على سابع جار فكيف وانتم الجار الثاني ..!!كانت تنظر إليه بفرح كبير .. وفستانها الوردي المزهر بورود حمراء يتطاير في الهواء فتبدو كحورية كما كان يتصورها قبل ذلك .. انفرجت شفتاها القرمزيتان عن ابتسامة كشفت عن أسنانها اللؤلؤية التي ضاعفت من قيمة وجمال ابتسامتها .. وتطاير شعرها عندما تحركت حاملة السمك الذي ناولها إياه شقيقها ..!!
تعال أجلس .. سوف تفطر معنا جبنة بالزعتر .. هل تحب الزعتر ..؟
كان يتابعها بصورة غير مباشرة على أنغام صوت والدها الذي كان له شخير خفيف ..وهو يغط في نوم عميق في جانب من الخيمة التي توزعت فيها .. فرش النوم والوسائد .. ومعدات الرحلة المختلفة .. نعم كان يتابعها وهي تتحرك بالقرب منه .. والدتها لمحته يتأملها بصمت . فاقتربت منه وهي تقول له: مجلتك، سهرت آمال طول الليل .. الست (..) نعم يا سيدتي .. ثم قالت .. القراءة هواية جميلة ومفيدة .. وافقها على رأيها وهو يردد في نفسه .. هي مفيدة بس .. هي الخير كل الخير والبركة كل البركة ؟!
– فيم تفكر ..؟ قال شقيقها ..!
– لاشيء .. لاشيء يبدو أنني تأخرت على أصحابي .. !!
– أولا تفطر معنا وبعدها ترجع لأصحابك .. اللي يسمعك يقول انك الآن على بعد آلاف الكيلو مترات..!! من المخيم ..!!
وضعت والدة آمال سندوتشات الخبز التي صنعته على ( تاوة ) صغيرة كانت محشوة بالجبن والزعتر أمامهم وهي تقول له باسمة تحب تشرب حليب أم شاي .. أجابها شاكرا .. شاي فقط إذا سمحتي !!
وجهها حلو الملامح تشبه كثيرا ابنتها آمال .. عيناها السوداوان قد كحلتهما فبدت أكثرجمالا. .. كانت أكثر امتلاء .. وشعرها الأسود المغطى بمنديل سماوي .. قد انسدل جزء منه على كتفيها كانت في عقدها الرابع .. ومازالت إلى الشباب اقرب .. في رقبتها سلسلة ذهبية تحمل في وسطها لفظ الجلالة ( الله ) وما أروع ما اختارت هذه السيدة لتضعه على جيدها ..!!
كانت اللحظات تمر سريعة متتابعة وصاحبنا يشعر بالسعادة وآمال تنظر إليه في صمت وهي تحتسي كوب الحليب .. لو كان الكوب الذي تلامس شفتيها أطرافه … لو كان .. أمنية تتلاشى مع هباب بخار الحليب الساخن الذي يتطاير من الكوب .. الجو الحار يلفح وجهها ويزيده حمرة فوق حمره ..ويخيل إليه أن الدم يكاد يخرج من مسامات وجهها الجميل .. !!لو توقف الوقت .. لو أصبحت اللحظة أيام والأيام شهور.. وهو يتابعها وهي تحتسي حليبها .. !!العيون ملأى بالرجاء .. آمال .. أحلام ..أفكار.. أمنيات المحبين الصغار..الشباب.. والكبار و الشيوخ .. الجميع يحلم هكذا هي خطوات الناس .. تريد أن تتحقق أحلامها البسيطة ..وهو واحد من الناس .. من حقه أن يحلم ويعيش في حلمه .. مهما كان بسيطا أو خياليا أو غير معقول .. المهم أن يحلم في الحلم يستطيع أن يمارس كل ما يريد بدون أن يمنعه أحد .. حتى ولو كان حلمه فيه شيئا من المستحيل .. !!
ابعد عينه عن امال .. وراح يتبادل مع شقيقها الأحاديث .. وسأله عن أنواع الأسماك التي تشتهر بها المنطقة فأجابه حسب ما توفر لديه من معلومات .. بأن هناك مئات الأنواع بل ربما الآلاف مثل ما هو موجود في كل بحار العالم إلا أن أشهر اسماك الخليج هي : الكنعد والصافي والشعور والبالول والسبيطي والسكن والميد والضلعة والعاقول والزبيدي والنعيمي والجواف والعومة والنقرور والجرجور والحمام وأنواع لا يذكرها ..و عرف أين يسكنون في الدمام ..وماذا يعمل والدهم .. وفي أي سنة دراسية هو وشقيقته..كان أحساسة بالمرارة أن يغادر خيمتهم يملؤه . وهو يرى أن مغادرته الخيمة تعتبر نوعا من الانتزاع .. تفتح أمامه دروبا للآلام .. ولكن ماذا يفعل .. لابد من المغادرة ….! غادر الخيمة شاكرا ولم ينس أن يشير بتقدير على روعة طبق ( التبولة ) اللذيذة .. تابعته نظرات آمال .. كانت الدنيا لا تسعه وهو يشاهد نظراتها التي تلاحقه .. فرغم إدراكه بحقيقة الواقع .. إلا أنه أعتبر أن الحياة بدون مثل هذه المشاعر.. لا قيمة لها .. إنها كالماء للحياة .. إنها كل شيء ..!!إنها سوف تسحبنا إلى محيطات الألم والغربة والوحشة والأيام الموجعة التي يهرب منها الناس إلى لحظات حلوة حميمة .. يجدون فيها أنفسهم على حقيقتها بكل البراءة والصدق .. بعيدا عن التكلف والنفاق .. فلاحدود ولا مسافات .. بين الناس ..لسبب بسيط أن الله جعلنا وحدة واحدة مهما اختلفنا ألوانا وشعوبا .. فنحن ننتمي قبل وبعد للإنسانية..!! عاد إلى مخيمهم .. فرحا سعيدا وفي جانب آخر يتملكه شعور بأنه ابتعد عن شيء يحبه.. شيئا أثار فيه السعادة والغبطة في هذا الصباح الحار الرطب..تناول ( فوطة ) صغيرة ومسح بها عرق وجهه الناضح .. وجلس في استرخاء وأصحابه مشغولون بلعب الورق .. حمد الله كثيرا أن هذه اللعبة لم تأسره ولم تأخذه إلى أحضانها .. لان وقته الذي يخصصه للقراءة والرسم سوف يتلاشى ويختفي بين أوراق اللعب ..!؟ / يتبع غدا
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليقاً