تم النشر في الأحد, 23 يونيو 2019 , 08:34 مساءً .. في الأقسام : أهم الأخبار , مقالات
الحلقة الثالثة عشرة من رواية ( عين الحريم ) للاستاذ أحمد المغلوث
الفرحة بالكهرباء
اليوم غير عادي في بيتهم، فلقد تم الانتهاء من تركيب عداد الكهرباء وإيصال التيار .. اليوم ترتاح والدته وشقيقته وخادمتهما الصغيرة من التعب اليومي ووقتهن المهدور في تنظيف الاتاريك والفوانيس ,, فالكهرباء في بيتهم اليوم .. مثل بيت خاله وبقية بيوت عائلته الكبيرة. كان من الواضح أن الكهرباء سوف تدخل المدينة والتي كانت استعدت لذلك تماما..بدأ أهلها وعلى ألأخص الأغنياء والميسورون وأصحاب الدخول المحدودة كالموظفين في الاتفاق مع محلات الكهرباء التي كان بعض أصحابها من العاملين في شركة الزيت ولديهم معرفة مسبقة بالكهرباء وطريقة تركيب وتمديد الخطوط .. الكثير منهم استفاد كثيرا من القيام بهذه المهمة .. بينما أسرع آخرون بشراء أجهزة التلفزيون واستبدال أجهزة الراديو التي كانت تعمل بالبطاريات الجافة .. بأخرى تعمل بالكهرباء فالحدث غير عادي ..بدا سباق محموم بين بيوت المدينة المختلفة من يستطيع أن يكون أكثر استعدادا لكي يستقبل النور بالأحضان ..! النور الذي سوف يغير الكثير من المظاهر والعادات الاجتماعية ويحدث نهضة كبرى في مختلف المجالات .. لقد حلم أهل مدينته مثل أي مدينة وقرية لا في بلاده فحسب وإنما في العالم بقدوم النور .. ؟؟!!
والذي لاشك انه يعني الكثير .. الحر لا يطاق في الصيف لعدم وجود المراوح وأجهزة التكييف .. لقد حلموا جميعهم بهذا القادم الجديد والمبارك حاملا البياض الدائم بنشر النور في المعنى والمسمى .. وسعوا جهدهم لتحقيق هذا الحلم وذلك من خلال مشاركة مجموعة كبيرة من رجال الأعمال في المدينة في تأسيس شركة الكهرباء ..وهاهو الحلم يتحقق أخيرا.. ومع ذلك يصعب على البعض منهم تصديقه .. إن أيا منهم لم ير كهرباء من قبل ولا يقدر على تخيل شكلها أو العيش تحت نورها وشمسها المشرقة حال الضغط على المفتاح ..!!ولكنهم كانوا على ثقة بأنها ستحقق لهم مستقبلا أفضل وحياة مستقرة ومتطورة .. لقد بدأ ت المدينة تشهد عصرا جديدا . هو عصر النور..
لم يكن البعض من سكان المدينة يدري كيف سوف يستفيد من دخول الكهرباء في منازلهم لان الكهرباء ليست فقط نور وإضاءة وإنما حياة جديدة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فمن خلالها تستطيع تشغيل العديد من الأجهزة والمعدات التي سوف تفيد في العمل أي عمل حتى لو كان بسيطا كمكينة الحلاقة .. فالحلاق ( المحسن ) الشهير بالمدينة كان من أوائل من استبدل ماكينة الحلاقة اليدوية بأخرى كهربائية، بل حتى التعليم بعدما كان محصورا في الدراسة الصباحية بدأت ومع انطلاقة الكهرباء في شرايين المدينة فكرة التعليم المسائي .. مئات المجالات والأنشطة التي بدأت تتحول من العمل اليدوي أو البطاريات الجافة أو الكيروسين استبدلت وبصورة سريعة وفاعلة بأجهزة ومعدات تعمل بالطاقة الجديدة.. كانت بعض بيوت الأغنياء والميسورين تتوفر فيها بعض الأجهزة التي تعمل بالكيروسين وكانت والحق يقال تساهم في توفير احتياجاتهم مثل الثلاجات..
وكانت أسعارها مرتفعة …ومع قدوم الكهرباء .. صارت الأجهزة الكهربائية ومن ضمنها الثلاجات والغسالات والمراوح متوفرة في الأسواق وبأسعار كانت في البداية مرتفعة إلا أن المنافسة والطلب الكبير عليها ساعد على استيرادها حتى من الدول المجاورة وتوفرها في أكثر من مكان.. فرح صاحبنا وشقيقه وبقية أفراد أسرته؛ فعلى الأقل يستطيع الآن متابعة واجباته المدرسية وممارسة هواياته الأخرى من قراءة ورسم بعيدا عن القرب من ضوء الاتريك أو الفانوس والتي في العادة تتجمع حولهما الحشرات ..ألان بإمكانه اختيار أي مكان في البيت وبعيدا عن الإزعاج يمارس فيه هواياته المحببة ..
عيناه تدوران في البيت.. إحساس كبيران هناك شيئا ً ما تغير في بيتهم .. لا ليس بيتهم إنما في مختلف البيوت.. حتى الشارع العام ( شارع السوق ) والذي يقع عليه بيتهم مباشرة بات مضيئا فكل بيت وضع ( لمبة ) على بابه لتشكل هذه اللمبات مجتمعة إضاءة لا بأس بها في شارع كان فيما مضى يعتبر من الشوارع المظلمة إلا في منطقة السوق حيث كانت تضاء فوانيس خاصة .. الآن باستطاعة أبناء الحارة التواجد أطول وقت ممكن خارج بيوتهم.. يلهون ويلعبون دون خوف من الظلام .. الليلة تبدأ مدينته حياة جديدة تحت سطوة الكهرباء .. ومن هذه الليلة سوف يتغير وقت البعض من النوم مبكرا إلى السهر حتى نهاية برامج تلفزيون الظهران.. ولكونه كان ومنذ البداية معاصرا لهذا الجهاز العظيم .. فعمره تقريبا من عمر بث هذا التلفزيون في المنطقة التي تتبعها مدينته .. لم يكن بوسعه أخفاء تأثره وهو يشاهد أول برنامج تلفزيوني في بيت خاله .. لم يكن في بيتهم في بداية دخول الكهرباء تلفزيون فكان يذهب وشقيقه إلى بيت خاله ..كان أول برنامج يشاهده ومازال يذكره مسلسل ( ألكلبة لاسي ) كان التلفزيون في ذلك الوقت زمن الصبى والفتوة يشكل للبعض نوعا من السحر المبهر .. بل كانت بعض النسوة خاصة الكبيرات في السن يغطين وجوههن عندما يظهر على الشاشة رجل ما .. وكانت حلقات المصارعة الحرة أكثر البرامج متابعة واهتمام من قبل مئات الآلاف من المشاهدين ليس في منطقته وإنما حتى في دول الخليج الذي يصل لهم بث تلفزيون الظهران خاصة خلال فصل الصيف.. إضافة إلى الأفلام العربية والأجنبية.. لقد شارك التلفزيون والحق يقال في نشر الثقافة والترفيه البريء في المنطقة.. بل أن صاحبنا وهو فتى شارك في برنامج ( سهرة الليلة ) حيث استعرض في البرنامج هواياته في الرسم و جمع الصور والطوابع..! مع صديق عمره محمد رحمه الله . ومازال يذكر ضحكات مقدم البرنامج الشهير ( يعقوب سلام ) عندما سأله عن احدى الصور فقال انها في ( ثيران ) وكان يقصد في ” ايران ” لكنه كان ينطق حرف الفاء ثاء . فضحك سلام .. وكان البث ايامها مباشرة بدون تسجيل ..
تأثير التلفزيون
الجميع فرح بالتلفزيون . . خاله .. وأصحاب خاله ..و رواد مجلسه. وكلما مضى يوم على التلفزيون وبرامجه التي كانت في البداية تبث لمدة ثلاث ساعات، تحولت بعد ذلك إلى سبع ساعات يوميا، حيث تضاعف اهتمام الناس، ومتابعتهم لها، ولا حرج أبدا أن تجد أسرة كاملة العدد قد جاءت إلى بيت خاله أو من لديه تلفزيون ليشاهد معهم فلم الأسبوع أو حلقات المصارعة الحرة .. بل أن والده أوحى لخاله بفكرة المشاهدة عبر المرايات .. فمرآة كبيرة توضع بطريقة فيها شيء من الميلان .. لتنقل الصورة لمرآة أخرى داخل غرفة مجاورة للمجلس، حيث تجلس النساء والفتيات، ليتم نقل الصوت من خلال سماعات. فارتفاع سعر التلفزيون في ذلك الوقت كان وراء فكرة المشاهدة عبر المرايا.. ومع بداياته كان وجوده في بيوت المدينة محدودا جدا .. والطريف أن بعض المواجهات والتحديات تحدث بين المشاهدين المتابعين للمصارعة الحرة خاصة عندما تصل إلى درجة الذروة من الانفعال والتأثر .. وكم تدخل خاله في فض النزاع بين ضيوفه .. فمره كاد احدهم من شدة الانفعال أن يصيب آخر في كتفه عندما رمى عليه فنجان الشاي لأنه شتم المصارع ( جيكوموكا ) الذي اسقط خصمه على الأرض .. ولا يلام عاشق المصارعة في ذلك الوقت وهو يتابع وصف المعلق الرائع البحريني عيسى الجودر وهو يقول بعامية عذبه
(شاله .. آه يايمه شفوه بيموته ما يخاف الله ..)!
لقد كان لتلفزيون الظهران دورا كبيرا في النهضة والتوعية بالمنطقة الشرقية، أشبه ما تكون بالدور الذي لعبته حملة نابليون على مصر حيث هزت هذه الحملة المصرين هزا عميقا وأيقظتهم من سباتهم العميق كما يقول الأستاذ عمر الدسوقي .. في كتابه نشأت النثر الحديث .. أو كما أشار المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه : مبلغ الدهشة التي أبداها مثقفو مصر من هذه المظاهر حين أتيح لهم الاطلاع عليها: كانت حملة نابليون مزودة بكل وسائل الفتح الخ .. ونستطيع القول أن تلفزيون الظهران وما حملته برامجه المختلفة من أفلام ومسلسلات وبرامج علمية وثقافية وجوانب أخرى تعليمية لها دورها في إحداث نقلة بين أفراد المجتمع.. فمشاهدة الأفلام والبرامج وما تشتمل عليه من وعي وثقافة ساعدت كثيرا على أن يقوم مجتمع مدينته في محاكاة الكثير منها .. فتعلمت السيدات الكثير من أعمال التدبير المنزلي وشئون المطبخ من برنامج البيت السعيد وصارت البيوت تشهد بعض اللمسات الديكورية والاهتمامات المنزلية في مجال تنسيق وترتيب الأثاث أو الستائر أو حتى الأسلوب العام في الحياة داخل المنزل .. حتى الرجال تأثروا كثيرا بما يشاهدونه .. فتغيرت نظرتهم للحياة، وصار هناك تطلع لكل جديد ومفيد لحياتهم ولأسرهم .. فالأفلام والبرامج التي يقدمها كانت مدروسة وتخضع لرقابة مشددة وكان يدير المحطة نخبة من الشباب السعدي والخليجي والعربي أصحاب كفاءات وقدرة ومواهب كما هي الحال في بابا حطاب مقدم برنامج الأطفال والذي كان له أسلوبه الجميل والبسيط في التعامل مع الأطفال .. كانت برامج التلفزيون قبل خمسة عقود تعتبر أول اتصال وثيق و بشكل عام مع العالم من خلال هذا الجهاز الساحر .. ومنذ ذلك الوقت بدأ هذا الاتصال يلعب دوره الحقيقي في تنمية وتوعية المجتمع في المدينة وغيرها بل في المنطقة ككل والتي كان يصل إليها البث في ذلك الزمن الجميل..
المشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء مستعارة لاتمثل الرأي الرسمي لصحيفتنا ( المواطن اليوم ) بل تمثل وجهة نظر كاتبها
اترك تعليق على الخبرالمواطن اليوم اطلع صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن طلال بن بدر محافظ الأحساء ، في مقر المحافظة اليوم ” […]
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
بقلم :
س | د | ن | ث | أرب | خ | ج |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 |
8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 |
15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 |
22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 |
اترك تعليقاً