أقبال الاحمد 

كثرت الامراض الجسدية التي يطلق عليها اسم المرض الصامت، لانها تقضي على الانسان من دون ان تظهر عوارضها الا في مراحل متأخرة.. مثل السرطان والضغط وهشاشة العظام، مما يستلزم الكشف المبكر والتوعية بها.ولكن هناك أمراضاً صامتة أخرى تعشش بالانسان ويصعب القضاء عليها او التداوي منها… لأنها تقتل الراحة وتمنع السعادة.. «لانها اذا تمكنت منك فستضرك ضررا شديدا».. كما يقول الدكتور محمد النابلسي.هذا المرض هو «التعود على النعم» التي انعم الله بها علينا.. فنتعامل معها وكأنها حق مكتسب وليست نعماً تحتاج الشكر الدائم.. كأن تصحو كل يوم وكل حواسك لا تشكو شيئا، او ان تجد اهلك بخير كلما دخلت عليهم من دون ان تحمد ربك لحظتها.. او ان تذهب للسوق فتشتري كل ما تريده بأريحية.
ينطبق ذلك علينا غالبا في الكويت.. لاننا نتمتع بكثير من الخدمات التي لا تتوافر عند غيرنا في دول اخرى، كمجانية التعليم والتطبيب ورخص خدمات تقدمها الدولة، والتي غالبا ما تكون رمزية، مثل الكهرباء والماء وقوة العملة، وتوافر نظام قروض الزواج والاسكان ومجانية الولادة والدفن والعلاج بالخارج والابتعاث الدراسي وبدل الايجار وبدل العمالة و.. و..
ما استجد على هذه النعم والميزات عندنا في الكويت خدمة تأمين عافية للمتقاعدين الكويتيين، ومنح راتب للمرأة غير العاملة، وهي مميزات لا تحصل عليها الشعوب الا بوجود وفرة مالية في ميزانية الدولة، مما يجعل هذه الخدمات او الدعم الحكومي مع الوقت حقا مكتسبا ليس من السهل على الدولة ان توقفه لأي سبب من الاسباب، وان كانت شديدة الاضطرار.
المقصود من هذا المقال، ان هناك بعض القرارات التي تصدرها الحكومة والخاصة بمنح المواطنين مميزات تريحهم وتسهل حياتهم.. بناء على بعض المقترحات النيابية والدفع بها بشدة من قبل فئة من الاعضاء من دون النظر الى تداعيات مثل هذه الامور على الشعوب التي تتعود عليها مع الوقت، فيصعب انتزاعها منها اذا ما استجدت ظروف واصبحت الحياة اقسى واصعب.
دغدغة مشاعر الناخبين ومحاولة تجييرها لمصلحة نواب في المجلس والضغط على الحكومة لاعتمادها واقرارها.. مقبولة اذا كانت مستحقة ولحاجة المواطن الفعلية ولتأثيرها الايجابي في مستقبل البلاد.. اما اذا كانت عبارة عن ترفيه زائد يمكن العيش من دونه في الحالات الطبيعية.. فتداعياتها بالتأكيد ستكون اصعب مما هو متخيل.هذه النعم التي نعيشها بالكويت بسبب غنى الدولة قد لا تكون دائمة، اذا ما استمر العجز بالميزانية العامة للدولة على ما هو عليه.. واذا ما تزايد يوما بعد يوما بسبب الاعتماد على مصدر النفط فقط من دون ان يصاحبه احلال لمصادر اخرى تعين وتعاون الدولة اذا ما هبط سعر النفط، وهو شريان الحياة للكويت عاما بعد عام، وتهاوى لاي سبب سياسي او غيره.
نحن محسودون في الكويت على كل هذه النعم، ولكننا لا نعي اهميتها لاننا تعودناها واصبحت مكسبا لا يمكن العيش من دونه.. وكثير من الكماليات عندنا اليوم اصبحت اساسيات في حياتنا، ومن الصعب التخلي عنها بسهولة.
الحمد لله الف مرة.. ولكننا يجب ان نتهيأ للقادم، رضينا أم أبينا./ وفقا للقبس